كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

تأويلِه، وَلاَ أَنْ يَعْطِفَهُ على آراءِ الكفرةِ الفجرةِ، في الوقتِ الذي نعلمُ فيه أن دينَ الإسلامِ يأمرُ بالتقدمِ في جميعِ ميادينِ الحياةِ. دِينُ الإسلامِ يَأْمُرُ المجتمعَ بالتقدمِ في جميعِ ميادينِ الحياةِ. والإخلادُ إلى الأرضِ والتواكلُ والكسلُ: مُخَالَفَةٌ للأمرِ السماويِّ الذي يَأْمُرُ به خالقُ السماواتِ والأرضِ، لأَنَّ اللَّهَ يقولُ: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: آية 60] فهذا أَمْرٌ. فالمتواكلُ الْمُخْلِدُ إلى العجزِ والاستسلامِ، وَلَمْ يُعِدَّ مَا يُسْتَطَاعُ من قوةٍ، فهو مخالفٌ لأَمْرِ اللَّهِ في قولِه: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} وبهذا يُعْلَمُ أن التقدمَ والكفاحَ والإعدادَ للقوةِ: كُلُّ هذا أوامرُ القرآنِ العظيمِ، ونظامُ السماءِ، وأن العاجزَ المتكاسلَ المخلدَ إلى الأرضِ مُخَالِفٌ لأوامرِ اللَّهِ، واللَّهُ يقولُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: آية 63] وعلى كُلِّ حَالٍ فَلاَ شَكَّ أَنَّ دِينَ الإسلامِ، وهذا القرآنَ العظيمَ، يُنَظِّمُ للإنسانِ جميعَ ميادينِ الحياةِ في دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، هذا هو الحقُّ.
ودينُ الإسلامِ دينُ تَقَدُّمٍ، ودينُ كفاحٍ فِي الميدانِ، ودينُ قوةٍ، وإذا قَرَأْتُمْ آياتٍ من كتابِ اللَّهِ عرفتُم ذلك واضحًا، إذا قَرَأْتُمْ مثلاً آيَتَيْنِ من سورةِ النساءِ يقولُ اللَّهُ فيهما: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: آية 102] هذا وقتُ التحامِ الكفاحِ المسلحِ، والمفروضُ أن الرجالَ تَنْزِلُ رؤوسُهم عن أعناقِهم، والقرآنُ في هذا الوقتِ الضنكِ الْحَرِجِ، تَرَوْنَهُ يُنَظِّمُ الخطةَ العسكريةَ على أحسنِ الوجوهِ وأبدعِها، وأحصنِها

الصفحة 546