كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

نورِ القرآنِ، أنه ولو بَلَغُوا من القلةِ لاَ يمكنُ أن تقهرَهم قوةٌ، وَلاَ أَنْ يَغْلِبَهُمْ غالبٌ؛ لأَنَّ اللَّهَ الذي اعْتَمَدُوا إليه، وَصَارُوا من حِزْبِهِ: قَوِيٌّ قاهرٌ، لا يغلبُه شيءٌ. ونضربُ لكم بعضَ الأمثالِ بهذا:
أنتم تعلمونَ في التاريخِ، وتاريخِ القرآنِ، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه عام غزوةِ الأحزابِ - غزوةِ الخندقِ - لَمَّا حَاصَرَهُ المشركونَ ذلك الحصارَ العسكريَّ التاريخيَّ العظيمَ، الذي نَوَّهَ اللَّهُ به مُعَظِّمًا أَمْرَهُ: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا (11)} [الأحزاب: الآيتان 10، 11] هذا لقوةِ ذلك الحصارِ العسكريِّ، وهم في ذلك الوقتِ، جميعُ مَنْ فِي الأرضِ يُقَاطِعُونَهُمْ في السياسةِ، والاقتصادِ، ليس بينَهم رَوَابِطُ سياسيةٌ، ولاَ اقتصاديةٌ مع أحدٍ، وهم في فَقْرٍ وَقِلَّةٍ وجوعٍ، وسيدُ الخلقِ (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) فِي ذلك الوقتِ يَطْوِي حِزَامَهُ على الحجارةِ من الجوعِ، هُمْ في هذا الوقتِ من الجوعِ وشدةِ الأعداءِ، وقوةِ الحصارِ العسكريِّ، وَكُلُّ مَنْ في الأرضِ أعداءٌ لهم يُقَاطِعُونَهُمْ سِيَاسَةً، واقتصادًا، ما العلاجُ؟ وما قاوموا به هذا الأمرَ العظيمَ، وهذا الحصارَ العسكريَّ؟
الجوابُ: أنه قوةُ الإيمانِ بِاللَّهِ، وصدقُ الالتجاءِ لخالقِ هذا الكونِ، كَمَا نَصَّ اللَّهُ على ذلك في قولِه: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: آية 22] هذا الإيمانُ والتسليمُ لِلَّهِ، وقوةُ الإيمانِ به، والاستسلامُ له (جل وعلا)، كَانَ من نتائجِه ما قَصَّ اللَّهُ علينا في سورةِ الأحزابِ: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى

الصفحة 548