كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} أي: مِنْ حُصُونِهِمْ {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)} [الأحزاب: الآيات 25 - 27] يعني: إِنْ كُنْتُمْ ضِعَافًا عاجزين فَمَنْ تَوَكَّلْتُمْ عليه وآمَنْتُمْ به وَكُنْتُمْ عبادَه حَقًّا ليس بعاجزٍ، بل هو قَادِرٌ على كُلِّ شيءٍ؛ وَلِذَا ختمَ القصةَ بقولِه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}.
ونظيرُ ذلك ما قَصَّهُ اللَّهُ في سورةِ (الفتحِ) عامَ الحديبيةِ، لَمَّا نَزَلَتْ سورةُ (إنا فتحنا) عامَ ستٍّ من الهجرةِ، رجوعَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من عمرةِ الحديبيةِ، لَمَّا عقدَ الصلحَ مع قريشٍ، وأنزلَ اللَّهُ عليه سورةَ (الفتحِ). كان لَمَّا بَلَغَهُمْ أن قريشًا قتلوا عثمانَ بنَ عفانَ (رضي الله عنه)، وَبَايَعُوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تحتَ سمُرةٍ من شجرِ الحديبيةِ، بَايَعُوهُ بيعةَ الرضوانِ، عندَ هذه البيعةِ عَلِمَ اللَّهُ من قلوبِهم الإخلاصَ، والإيمانَ الكاملَ، والصدقَ كما ينبغي، وَنَوَّهَ بإيمانِهم الذي عَلِمَهُ في قلوبِهم قال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: آية 18] فَنَوَّهَ عن إيمانِهم بالاسمِ الْمُبْهَمِ الموصولِ. أي: ما فِي قلوبِهم من الإيمانِ بِاللَّهِ (جل وعلا) كما يَنْبَغِي، عَدَّدَ نتائجَ هذا الإيمانِ الخالصِ الكاملِ، عَدَّدَ نتائجَه عليهم، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ نَتَائِجِهِ أَنْ قَالَ: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} فَصَرَّحَ بأن إمكانياتِهم العدديةَ والعُدديةَ لَمْ تُقْدِرْهُمْ عليها. ثُمَّ قَالَ: {قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا} فَأَقْدَرَكُمْ عليها. وقال: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الفتح: آية 21] كما قال في (الأحزاب). يعنِي: إِنْ كُنْتُمْ في ضَعْفٍ فَهُوَ قَوِيٌّ قَادِرٌ.

الصفحة 549