كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

والعالَم: اسمُ جنسٍ يُعرَبُ إعرابَ الجمعِ المذكرِ السالمِ. وقوله هنا: {فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي: على عالَمِ زمانكم الذي أَنْتُمْ فيه. فلا يُنَافِي أن هذه الأمةَ التي هي أمةُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -
أفضلُ منهم (¬1)، كما نَصَّ اللَّهُ على ذلك في قولِه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: آية 110] وفي حديثِ معاويةَ بنِ حَيْدَةَ القشيريِّ (رضي الله عنه) عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ» (¬2). ومن الآياتِ الْمُبَيِّنَةِ لفضلِ أمةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - على أمةِ موسى أنه قَالَ في أمةِ موسى: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: آية 66] فَجَعَلَ أعلى مَرَاتِبِهَمُ الفئةَ المقتصدةَ، بخلافِ أمةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَقَسَّمَهُمْ إلى ثلاثِ طوائفَ، وجعلَ فيهم طائفةً أكملَ من الطائفةِ المقتصدةِ، وذلك في قولِه في فاطر: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: آية 32] فجعل فيهم سابقًا بالخيراتِ، وهو أَعْلَى من المقتصدِ، وَوَعَدَ الجميعَ بِظَالِمِهِمْ ومقتصدهم وسابِقهم بجناتِ عدنٍ في قوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ
¬_________
(¬1) انظر: ابن جرير (1/ 151 - 152)، (2/ 24)، المحرر الوجيز (1/ 208)، القرطبي (1/ 376)، دفع إيهام الاضطراب ص21.
(¬2) أخرجه أحمد (5/ 3، 5)، والدارمي في السنن، حديث رقم (2763) (2/ 221)، والترمذي، كتاب التفسير باب: ومن سورة آل عمران، حديث رقم: (3001) (5/ 226)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب: صفة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، حديث رقم: (4287، 4288) (2/ 1433)، والحاكم (4/ 84)، وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني، انظر: المشكاة حديث رقم: (6285)، (3/ 771)، صحيح الترمذي رقم: (2399)، (3/ 32)، صحيح ابن ماجه رقم: (3460، 3461)، (2/ 426).

الصفحة 56