كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

اجْعَلُوا بينَكم وبينَ ذلك اليومِ وقايةً تَقِيكُمْ مما يقعُ فيه مِنَ الأهوالِ والأَوْجَالِ. والاتقاءُ: هو جَعْلُ
الوقايةِ دونَ ما يَضُرُّ، وهو معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه قول نابغةِ ذبيانَ (¬1):
سَقََطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ ... فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتْنَا بِالْيَدِ
يعني: اسْتَقْبَلَتْنَا بيدها جاعلةً إياها وقايةً بيننا وبينَ رؤيةِ وَجْهِهَا.
والاتقاءُ في اصطلاحِ الشرعِ (¬2): هو جَعْلُ الوقايةِ دونَ سَخَطِ اللَّهِ وعذابِه، تلك الوقايةُ هي امتثالُ أَمْرِهِ، واجتنابُ نَهْيِهِ (جل وعلا).
والمرادُ باتقاءِ اليومِ: اتقاءُ ما يكونُ فيه من الأهوالِ والأوجالِ (¬3)؛ لأن القرآنَ بلسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، والعربُ تُعبِّرُ بالأيامِ عما يقعُ فيها من الشدائدِ، ومنه: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: آية 77]، أي: لِمَا فيه من الشدةِ، وهذا معنى قولِه: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: آية 48]، و (اليوم) مفعولٌ به لـ «اتَّقُوا» (¬4). وقيل: المفعولُ محذوفٌ، واليومُ ظرفٌ. أي: اتَّقُوا العذابَ يومَ لا تَجْزِي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا. وقولُه: {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: آية 48]، الجملةُ نعتٌ لليومِ (¬5)، وقد تَقَرَّرَ في العربيةِ: أن
¬_________
(¬1) ديوان النابغة الذبياني ص107.
(¬2) انظر: القرطبي (1/ 161 - 162)، المفردات (مادة: وقى) ص881، الكليات ص38.
(¬3) انظر: ابن عاشور (1/ 484).
(¬4) انظر: القرطبي (1/ 377)، البحر المحيط (1/ 189).
(¬5) انظر: البحر المحيط (1/ 189 - 190)، الدر المصون (1/ 335 - 336).

الصفحة 61