كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

عَلَى أَنْ لَيْسَ عِدْلاً مِنْ كُلَيْبٍ ... إِذَا رَجَفَ الْعِضَاهُ (¬1) مِنَ الدَّبُورِ (¬2)
يعني أن القتلى التي قَتَلَهَا بكليب من بني بكرِ بنِ وائلٍ لا تُماثِلُهُ في الشرفِ ولا تُسَاوِيهِ، وإنما كَسَرَ العينَ لأنهم من جنسٍ واحدٍ. وهذا معنى قوله: {وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}.
{وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} أصلُ النصرِ في لغةِ العربِ إعانةُ المظلومِ. ومعنى هنا {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} أي: ليس لهم مُعِينٌ يَدْفَعُ عنهم عذابَ اللَّهِ.
وفي هذه الآيةِ الكريمةِ سؤالٌ عربيٌّ معروفٌ، وهو أن يقولَ طالبُ العلمِ: أَفْرَدَ الضميرَ في قولِه: {وَلَا يُقْبَلُ منهَا} {وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا} أَفْرَدَهُ مؤنثًا، وَجَمَعَهُ مُذَكَّرًا في قولِه: {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} مع أن مَرْجِعَ هذه الضمائرِ واحدٌ؟ (¬3).
الجوابُ ظاهرٌ، لأن قولَه: {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} نكرةٌ في سياقِ النفيِ، والنكرةُ في سياقِ النفيِ تَعُمُّ (¬4)، وعمُومُها يجعلُها شاملةً لكثيرٍ من أَفْرَادِ النفوسِ، فَأَنَّثَ الضميرَ وَأَفْرَدَهُ في قولِه: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا} {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا} نَظَرًا إلى لفظِ النفسِ، وَجَمَعَ الضميرَ المذكرَ في قولِه: {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} نظرًا إلى معنَى النكرةِ في
¬_________
(¬1) العِضاه من الشجر: كل شجر له شوك، وقيل: ما عظُم من شجر الشوك وطال واشتد شوكه، وقيل غير ذلك، انظر: اللسان (مادة: عضه) (2/ 808).
(¬2) هي ريح تهب من جهة الغرب تقابل الصَّبا. ويقال: تُقبل من جهة الجنوب ذاهبة نحو المشرق. انظر: المصباح المنير (مادة: دبر) ص72
(¬3) انظر: البحر المحيط (1/ 191).
(¬4) انظر: البحر المحيط في أصول الفقه (3/ 110، 118)، شرح الكوكب المنير (3/ 136)، أضواء البيان (5/ 362)، (6/ 130).

الصفحة 69