كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

وبعضٍ، كما تقول: فَصَلْتُ بينَ أجزاءِ الشيءِ بكذا.
و (البحر) معروفٌ، قال بعضُ العلماءِ: اشتقاقُه من الشَّقِّ (¬1)؛ لأنه شَقٌّ في الأرضِ كبيرٌ، ومنه البَحِيرَةُ؛ لأنها مشقوقةُ الأُذُنِ. وقال بعضُ العلماءِ: هو من البحرِ بمعنى الاتساعِ لاتساعِه.
وقوله: {فَأَنْجَيْنَاكُمْ} أي: أَنْجَيْنَاكُمْ من فرعونَ وما كان يسومكم من العذابِ. وأصلُ الإنجاءِ والتنجيةُ أصلُ اشتقاقِه من النَّجْوَةِ، وهي المرتفعُ من الأرضِ (¬2). فكأن الإنسانَ إذا سَلِمَ من هلاكٍ، وَنَجَا من أَمْرٍ خَطِرٍ ارتفعَ عن هوةِ الهلاكِ إلى نجوةِ السلامةِ. وهذا معنى قولِه: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} الهمزةُ في {وَأَغْرَقْنَا} للتعديةِ، وأصلُ الفعلِ الثلاثيِّ قبلَ أن تدخلَ عليه همزةُ التعديةِ: (غَرِقَ يَغْرَقُ غَرَقًا)، ومنه قولُ ذِي الرُّمَّةِ (¬3):
وَإِنْسَانُ عَيْنِي يَحْسِرُ الْمَاءُ تَارَةً ... فَيَبْدُو وَتَارَاتٍ يَجُمُّ فَيَغْرَقُ
والعربُ تُعَدِّيهِ بِالْهَمْزَةِ والتضعيفِ فتقول: أَغْرَقَهُ اللَّهُ، وغرَّقه، إذا جَعَلَهُ يغرَق. ومن هذا المعنى قولُ الشاعرِ (¬4):
. . . . . . . . . . . . . . . ... أَلاَ لَيْتَ قَيْسًا غَرَّقَتْهُ القَوَابِلُ
¬_________
(¬1) انظر: البحر المحيط (1/ 195)، الدر المصون (1/ 350).
(¬2) انظر: المفردات (مادة: نجو) ص792.
(¬3) انظر: المحتسب (1/ 150)، ضياء السالك (3/ 187)، المعجم المفصَّل (2/ 590).
(¬4) البيت للأعشى، وهو في ديوانه ص156، وصدره:
أطَورَين في عام غزاةً ورِحْلَةً

الصفحة 76