كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

فالهمزةُ في (أَغْرَقَنَا) همزةُ التعديةِ، والمعروفُ أن همزةَ التعديةِ إذا دَخَلَتْ على فعلٍ لازمٍ أَكْسَبَتْهُ مفعولاً، وإذا دَخَلَتْ على فعلٍ مُتَعَدٍّ لمفعولٍ أَكْسَبَتْهُ مفعولين، وإذا دَخَلَتْ على فِعْلٍ مُتَعَدٍّ لمفعولين أَكْسَبَتْهُ ثالثًا، كما قال في الخلاصةِ (¬1):
إِلَى ثَلاَثَةْ رَأَى وَعَلِمَا ... عَدَّوْا إِذَا صَارَا أَرَى وَأَعْلَمَا
و {آلَ فِرْعَوْنَ} (¬2) قَدَّمْنَا معناه. وقوله: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} جملةٌ حَالِيَّةٌ (¬3)، والظاهرُ أنه نَظَرٌ بالأبصارِ (¬4)؛ لأن اللَّهَ أَرَاهُمْ ما أَحَلَّ بفرعونَ وقومِه من الغرقِ في البحرِ، وهو البحرُ الأحمرُ؛ ليكونَ ذلك أَقَرَّ لأعينهم؛ لأن هلاكَ الْعَدُوِّ وَعَدُوُّهُ ينظر إليه أَقَرُّ لعينِه. وهذا معنى قولِه: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}.
وقوله: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [البقرة: آية 51] (إذ) منصوبٌ بـ (اذْكُرْ) مُقَدَّرًا على أحدِ الأقوالِ (¬5)، وهو معطوفٌ على المذكوراتِ قَبْلَهُ (¬6)، وقرأَ هذا الحرفَ جمهورُ القراءِ ما عدا الْبَصْرِيَّ
¬_________
(¬1) الخلاصة ص24، وانظر: شرحه في الأشموني (1/ 295).
(¬2) سئل الشيخ رحمه الله عن التعبير هنا بقوله: {آلَ فِرْعَوْنَ} مع قوله في حق موسى عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} [البقرة: آية 54]؟.
فأجاب رحمه الله بقوله: عبر بـ {آلَ فِرْعَوْنَ} يريد فرعون وقومه، كما قال جل وعلا: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: آية 73] يدخل فيهم إبراهيم، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى: «لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» يعني: داود.
(¬3) انظر: الدر المصون (1/ 351).
(¬4) انظر: القرطبي (1/ 392).
(¬5) انظر: البحر المحيط (1/ 139)، الدر المصون (4/ 695).
(¬6) المصدر السابق (1/ 197).

الصفحة 77