كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

الظَّالِمُونَ} [البقرة: آية 254]، وقال: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: آية 106] وقد ثَبَتَ في صحيحِ البخاريِّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه فَسَّرَ قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [الأنعام: آية 82]، أي: بِشِرْكٍ (¬1). وقال جل وعلا عن العبدِ الصالحِ لقمانَ الحكيمِ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: آية 13]. هذا معنَى الظلمِ في لغةِ العربِ، ومنه قِيلَ لمن يضربُ لَبَنَهُ قبل أن يروبَ: ظالمٌ؛ لأنه وَضَعَ الضربَ في غيرِ موضعِه؛ لأن ضَرْبَهُ قبل أن يروبَ يُضَيِّعُ زُبْدَهُ. وفي لُغَزِ الحريريِّ: هَلْ تجوزُ شهادةُ الظالمِ؟ قال: نعم، إذا كان عَالِمًا (¬2).
يعني بالظالمِ: الذي يضربُ لَبَنَهُ قبلَ أن يروبَ. ومن هذا المعنى قول الشاعر (¬3):
وَصَاحِبِ صِدْقٍ لَمْ تَرِبْنِي شَكَاتُهُ ... ظَلَمْتُ وَفِي ظُلْمِي لَهُ عَامِدًا أَجْرُ
يعني بصاحبِ الصدقِ الذي لم تَرِبْهُ شَكَاتُه في ظلمِه إياه: سقاء له، ضَرَبَهُ قبلَ أن يروبَ. ومن هذا المعنى قولُ الشاعرِ (¬4):
وَقَائِلَةٍ ظَلَمْتُ لَكُمْ سِقَائِي ... وَهَلْ يَخْفَى عَلَى الْعَكَدِ الظَّلِيمُ
¬_________
(¬1) البخاري، كتاب الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} حديث رقم (3360) (6/ 389)، وأخرجه في مواضع أخرى من صحيحه، انظر: الأحاديث: (3428، 4629، 4776، 6918، 6937). ومسلم، كتاب الإيمان، باب: صدق الإيمان وإخلاصه. حديث رقم: (197) (1/ 114).
(¬2) مقامات الحريري مع شرح الشريشي (3/ 148) في المقامة الثانية والثلاثون.
(¬3) انظر: اللسان (مادة: ظلم) (2/ 650).
(¬4) المصدر السابق.

الصفحة 83