كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

الجميعِ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} الآية [فاطر: آية 33]، لأن هذا أَطَاعَ الشيطانَ وعصى رَبَّهُ فقد وَضَعَ الطاعةَ في غيرِ مَوْضِعِهَا، كما قال تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف: آية 50].
وقوله: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: آية 52] (عَفَوْنَا) أصلُه من (العفو)، من عَفَت الريحُ الأَثَرَ، إذا طَمَسَتْهُ. فالعفوُ - مثلاً - هو: طَمْسُ اللَّهِ أثرَ الذنبِ بِتَجَاوُزِهِ حتى لا يبقى له أثرٌ يتضررُ به العبدُ (¬1). والإشارةُ في قولِه: {ذَلِكَ} إلى اتخاذِهم العجلَ إِلَهًا، وهو ذلك الذنبُ العظيمُ، وأشار إليه إشارةَ البعيدِ؛ لأن مثلَ ذلك الفعلِ يجبُ أن يُتَبَاعَدَ منه تَبَاعُدًا كُلِّيًّا.
وقولُه: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} قال بعضُ العلماءِ: يغلبُ إتيانِ (لعلَّ) في القرآنِ مُشَمَّةً معنى التعليلِ، إلا التي في الشعراءِ: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} (¬2) [الشعراء: آية 129] وإتيانُ (لَعَلَّ) حرفَ تعليلٍ مسموعٌ في كلامِ العربِ، ومن إتيانِ (لَعَلَّ) للتعليلِ قولُ الشاعرِ (¬3):
وَقُلْتُمْ لَنَا كُفُّوا الْحُرُوبَ لَعَلَّنَا ... نَكُفُّ وَوَثَّقْتُمْ لَنَا كُلَّ مَوْثِقِ
فَلَمَّا كَفَفْنَا الْحَرْبَ كانَتْ عُهُودُكُمْ ... كَشِبْهِ سَرَابٍ بِالْمَلاَ مُتَأَلِّقِ
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (1/ 397)، الدر المصون (1/ 356).
(¬2) انظر: البرهان للزركشي (4/ 57)، الإتقان (2/ 233)، فتح الباري (8/ 498)، أضواء البيان (2/ 414) (6/ 204)، الدر المصون (1/ 189).
(¬3) انظر: ابن جرير (1/ 364)، القرطبي (1/ 227)، الدر المصون (1/ 189) والمثبت في هذه المصادر: «كَلَمْعِ سراب في المَلا ... ».

الصفحة 85