كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 1)

وقال بعضُ العلماءِ (¬1): الإشارةُ في قولِه: {ذَلِكُمْ} راجعةٌ إلى شيئين هُمَا: التوبةُ المفهومةُ من قولِه: {فَتُوبُوَا إِلَى بَارِئِكُمْ}، والقتلُ المفهومُ من قولِه: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}، وعلى هذا القولِ فالمعنى: ذلكم المذكورُ من التوبةِ والقتلِ. ونظيرُ هذا في القرآنِ - أي: بأن يكونَ لفظُ الإشارةِ مُفْرَدًا ومعناه مثنى - قوله (جل وعلا) في هذه السورةِ الكريمةِ: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: آية 68] أي: ذلك المذكور من الفارضِ والبكرِ.
وهذا المعنى معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ عبدِ اللَّهِ بنِ الزِّبَعْرَى (¬2):
إِنَّ لِلشَّرِّ وَلِلْخَيْرِ مَدًى ... وَكِلاَ ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ
أي: كلا ذلك المذكورِ. ولما قال رؤبةُ بن العجاجِ في رجزِه المشهورِ (¬3):
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ ... كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ
فقيل له: ما معنى قولك: «كأنه» بالتذكيرِ، إن كنتَ تريدُ الخطوطَ لَزِمَ أن تقولَ: (كأنها)، وإن كنتَ تريدُ السوادَ والبلقَ لزمَ أن تقولَ: (كأنهما) فَلِمَ قلتَ: (كأنَّه)؟ قال: (كأنه) أي: ما ذُكِرَ مِنْ سوادٍ وَبَلَق.
¬_________
(¬1) انظر: البحر المحيط (1/ 209).
(¬2) انظر: البحر المحيط (1/ 209)، مغني اللبيب (1/ 172)، أوضح المسالك (2/ 203)، وصدره: «إن للخير وللشر مدى».
(¬3) انظر: المحتسب (2/ 154).

الصفحة 98