كتاب أحكام القرآن لابن الفرس (اسم الجزء: 1)

قوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي ... } إلى قوله: {لا تظلمون} [البقرة: 271، 272].
تضمنت هذه الآية أن إخفاء الصدقات مطلقًا أفضل. واختلف هل المراد بها الفرض أم التطوع؟ أم جميعًا؟ فذهب الجمهور إلى أن المراد بها التطوع وقال ابن عباس: صدقة التطوع في السر أفضل من صدقة العلانية بسبعين ضعفًا. وصدقة الفريضة في العلانية أفضل من السر بخمسة وعشرين صعفًا. وعلى هذا القياس تجري جميع الفرائض والنوافل. وذهب قوم إلى أن المراد بالآية فرض الزكاة وما تطوع به قالوا فكان الإخفاء أفضل في مدة النبي -عليه السلام- ثم ساءت ظنون الناس بعد ذلك، فاستحسن العلماء إظهار الفرض لئلا يظن بأحد المنع. وقيل: إنها صدقة الفرض.
وكان يزيد ابن [أبي] حبيب يأمر بقسم الصدقات في السر ويقول: إنما نزلت في الصدقة على اليهود والنصارى. وهذان القولان الأخيران ضعيفان لما حكاه الطبري من الإجماع على أن الإظهار في الواجي أفضل، وقد كره ربيعة إظهار جميع أعمال البر، واحتج بالآية المتقدمة، وأجاز مالك ذلك دون كراهة إذا كان أوله لله وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لأنه لا يستطاع التخلص منه. وقد قال تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعم هي} فأثنى على إظهارها، وإن كان كتمانها خيرًا أو إذا أثنى الله على شيء لم يكره، ومن هذا صلاة النافلة في رمضان، فقال مالك رحمه الله: قيام الرجل بها في بيته فرادى أفضل، خلافًا للشافعي في قوله إن القيام بها في

الصفحة 392