كتاب أحكام القرآن لابن الفرس (اسم الجزء: 1)

المبيعان قولان في المذهب، وثلاثة خارج المذهب. وإذا عرفنا من الكلام في ربا النقد فلنتكلم على الربا في النسيئة، واعلم أن الربا يدخل في الستة المذكورة في الحديث وما قيس عليها سواء اتفقت الأجناس أو اختلفت.
فالذي تدل عليه الآية تحريم الزيادة في النساء، ولا دلالة فيها على تحريم النساء من غير زيادة في نفس المال، ومن أجل ذلك جوز مالك القرض وإن كان الشافعي قد منعه لكنه لم يمنعه من جهة الآية لكن من جهة أخرى، فلا يجوز النساء في كل شيء من تلك، وأما سوى الستة وما قيس عليها فلا يدخل الربا في بيع النسيئة فيها إذا اختلفت الأجناس، كسلم عبد في ثوبين، فإن تستوت ففي ذلك ثلاثة أقوال: منعه أبو حنيفة مثلًا بمثل، ومفاضلة، وأجازه الشافعي مثلًا بمثل ومتفاضلًا. وقال مالك: إذا اتفقت المنافع من الجنس منع وإن اختلفت جاز فأما أبو حنيفة فحجته قول الله تعالى: {وحرم الربا} والربا الزيادة وهذا موجود في هذا البيع، فمنع بمحض عموم الآية، وإنما خص منها اختلاف الأجناس بما قدمناه من الحديث وبغير ذلك. وأما الشافعي فإنه يحتج بأنه صلى الله عليه وسلم أمر بعض أصحابه بأن يعطى بعيرًا في بعيرين إلى أجل وهذا يخصص قوله تعالى: {وحرم الربا} إذا قلنا إن الزيادة في عوض بشيء يسمى ربا حقيقة. وجماعة من أهل الأصول يذهبون إلى تخصيص العموم بخير الواحد وبعضهم يمنعه منه. وأما مالك فتوسط بين القولين، وجعل اختلاف المنافع كاختلاف الأجناس إذا الغرض من المتملكات إنما هو الانتفاع. وأجاز واحدًا باثنين من جنس وادح عند اختلاف المنافع ولم يجزه أبو حنيفة لأنه لم يراع اختلاف المنافع، وحجته عليه قوله تعالى: {وأحل الله البيع}. ومنع مالك الواحد باثنين من جنسه مع اتفاق المنافع ورآه ربًا، ولم يراع ذلك الشافعي فأجازه. وحجة مالك قوله تعالى: {وحرم الربا} وقد وقع عندنا في المذهب اضطراب في التبايع إلى أجل بما اتفقت أجناسه

الصفحة 408