كتاب أحكام القرآن لابن الفرس (اسم الجزء: 1)

عن الذي هو عليه، ولا خلاف في هذا أعلمه لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 278] وإنما اختلف أهل العلم فيمن أسلم وله ثمن خمر أو خنزير لم يقبضه. قال أشهب والمخزومي: هو له حلال سائغ بمنزلة ما لو كان قبضه. قال ابن دينار وابن حازم: يسقط الثمن عن الذي هو عليه كالربا. ومذهب أكثر أصحابنا على قول أشهب والمخزومي. وقد استدل بعضهمبما أعطته هذه الآية، وأن ما مضى وقبض من الربا لا يتعقب بفسخ، وما لم يقبض، فهو باق متعقب بالفسخ، والرجوع فيه إلى رأس المال على أن كل ما طرأ على المبيع قبل القبض، مما يوجب تحريم العقد يبطل، كما اشترى مسلم صيدًا ثم أحرم المشتري قبل القبض، أو البائع بطل البيع، لأنه طرأ عليه قبل القبض ما يوجب تحريم العقد، كما أبطل الله تعالى من الربا ما لم يقبض، لأنه طرأ عليه ما أوجب تحريمه قبل القبض، ولو كان مقبوضًا لم يؤثر. وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو قول أصحاب الشافعي. ويستدل به أيضًا على أن هلاك المبيع من يد البائع وسقوط القبض فيه يوجب بطلان العقد خلافًا لبعض السلف، ويروى هذا الخلاف عن أحمدح. والقولان فيه في المذهب، وهذا الاستدلال إنما يصح على رأي من يقول إن الربا في الأصل كان منعقدًا، فإن منع انعقاده في الأصل لم يكن هذا الكلام صحيحًا وذلك أن الربا كان محرمًا في الأديان. وهل كان تحريمه شرعيًا أو عادة؟ فيه نظر، وبالجملة فيفهم من الآية أن العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليه الإمام لا يفسخها، وإن كانت معقودة لا تتعقب بالنقض بعدج انبرامها كما في البيع بعد الانبرام.

الصفحة 412