كتاب أحكام القرآن لابن الفرس (اسم الجزء: 1)

وقوله سبحانه: {وإن كان ذو عسرة} يظهر منه أن الأصل في الناس الملأ حتى يتبين العدم، لأنه تعالى قضى أولًا برد رؤوس الأموال ثم قال: {وإن كان ذو عسرة} فظهر من هذا أن الأصل الملأ فيلزم قضاء الدين إلا أن يكون معسرًا عنه القضاء في تلك الحال. قال بعضهم: ويحتمل أن يقال: إنه محمول على العدم حتى يتبين الملأ.
وقد اختلفوا من هذا في الذي يغيب عن امرأته، ثم يقدم، فتطلبه بالنفقة، فيدعي الإعسار في غيبته ليسقط بذلك نفقتها التي تطلبه بها. فذهب ابن القاسم إلى أنه محمول على اليسر أبدًا إذا لم تعرف حاله إلا أن يكون خرج عديمًا فتكون هذه شبهة توجب أن يكون القول قوله. وذهب ابن كنانة إلى أنه إن لم تعرف حالته في مغيبه ووقت خروجه فهو محمول على العدم مع يمينه حتى تثبت الزوجة ما تدعيه. والآية حجة لقول ابن القاسم إذا جعلناها عامة في الديون. ونفقة المرأة دين على زوجها، فيجب أن يحمل على اليسر حتى يثبت خلافه. وإذا وجب تأخير المعسر بالدين فليس في الآية ما يقتضي أن عليه مع ذلك يمينًا بصحة عدمه. وقد ذكر مالك عن بعض الصحابة اليمين واخذ بذلك.
وقوله تعالى: {وأن تصدقوا خير لكم} الآية [البقرة: 280].
اختلف في تأويلها فقيل: هي الصدقة على المعسر جعلها خيرًا من الإنظار إلى قوله: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282].

الصفحة 415