كتاب أحكام القرآن لابن الفرس (اسم الجزء: 1)

واختلف في صفة تعديل الشاهد، فذهب الشافعي إلى أنه لا تقبل حتى يقول: عدل علي ولي، ثم لا يقبل حتى يسأله عن معرفته فإن كانت باطنة متقدمة قبل ذلك منه، وإن كانت حادثة ظاهرة لم تقبل. وذهب بعضهم إلى أنه تقبل شهادته إذا قال معدله لا أعلم إلا خيرًا. ومذهبنا أن يزكي الشاهدان [أن] المزكي: هو عندي عدل، أو من أهل العدل والرضى. وإن أسقط عندي جاز، والأحسن إثباته. قال عبد الوهاب وجماعة سواه: لا يكفي أحد الوصفين عن الآخر. وظاهر قول سحنون: أن الاقتصار على أحد اللفظين يكفي. قال الأبهري: والحجة لمالك على من أجاز التزكية بلا أعلم خيرًا، أنه قد يعلم منه الخير ويعلم منه غير الخير مما يجب رد شهادته معه، فيجب أن يقول: أعلمه عدلًا رضى لأن هذا الوصف الذي أمر الله بقبول شهادة الشاهد معه بقوله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} و {ممن ترضون من الشهداء} فيجب أن يجمع الشاهد بين العدالة والرضى. وحجة مالك على الشافعي من الآية أن الله تعالى إنما قال: {من ترضون} فإذا قيل هو رضى قد شمله قوله تعالى: {ممن ترضون} فأي معنى لتخصيصه بلفظ عدل، ثم بأن يقال فيه: علي ولي، ثم بالسؤال عن معرفة العدل. وهذا كله تحكم لأنه لا يطلب في معرفة عدالته القطع. وإنما تطلب غلبة الظن، وغلبة الظن تحصل بان يقال فيه: عدل رضى. والأظهر جواز الاقتصار على أحد اللفظين لأن الله تعالى ذكر كل لفظ على حدة ولم يجمعهما، فدل ذلك على أن أحدهما يغني عن الآخر.
وقوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة: 282].
اختلف في معناه، فقيل: أن تصير شهادتهما كشهادة الذكر، قاله ابن عيينة. وقال غيره: إن تنسى إحداهما فتذكرها الأخرى، والتأويل الأول

الصفحة 432