كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 1)

الله أزاح علله فنور قلبه، وملأ من الدنيا كفه، وإلا فبم جيش الجيوش، وعقد السرايا، وهادى الملوك، ونحل الصحابة، وزود الوفود، وأنفق على النساء، وأين بغلته دلدل، وأين سيفه الصمصامة، وأين بردته وحلته، وأين ما كان يدخره لنفقة عامه، وقوت عياله؟ والله ما أتيتم إلا من تقليدكم لقوم تحلوا عندكم بأدعاء الدين، وخاتلوكم عما حوته اليمين. وأنتم أيها الأغنياء أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحابته من هؤلاء الذين لبسوا الأخضر والأحمر والأصفر والأسود، ورقعوها بالتكليف.
وكان مع هذا يتعدى طبقة زمانه إلى أبي يزيد البسطامي ويقول: أبو يزيد من بلدي، وأنا أعرف به وبأصله وفصله، وحديثه عندنا غض، وأمره عندنا بين، وإنه بعيد من دين المسلمين.
وكان شديد التهور، عظيم العجرفة، وأنا سمعته يقول بأصبهان سنة سبع وخمسين وثلاثمائة وقد قال له قائل: أيها الأستاذ - وكذا كان يخاطب - إن فلاناً يقول: متى عرض كلام أستاذكم أبي سعيد على كتاب الله عز وجل خالفه ولم يوافقه، فقال جهلاً: كلام الله عز وجل ينبغي أن يعرض على كلامي! ومضى على ذلك، فلم أجد نكراً من أحد حضر من أصحابه ولا من غيرهم، وكنت حينئذ وحيداً غريباً حديث السن، فوقذتني الحمية لله عز وجل ولرسوله عند جهله. وكان اعتماده على الهذيان، ولم يكن هناك - مع طول النفس، وبلة الريق، والصبر على الكرم - شيء من التحصيل. ولقد سمعته يقول: نقضت على الفلاسفة سبعين ألف ورقة، فلما طولب بأن يذكر أسماء

الصفحة 206