كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

والعساكر من هولاكو: فَأخذ الْأَمِير زين الدّين الحافظي يعظم شَأْن هولاكو وَيُشِير بألا يُقَاتل وَأَن يُدَارِي بِالدُّخُولِ فِي طَاعَته. فصاح بِهِ الْأَمِير ركن الدّين بيبرس البندقداري وضربه وسبه وَقَالَ: أَنْتُم سَبَب هَلَاك الْمُسلمين وفارقه إِلَى خيمته فَمضى زين الدّين الحافظي إِلَى الْملك النَّاصِر وشكا إِلَيْهِ مَا كَانَ من الْأَمِير بيبرس. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل هجم طَائِفَة من المماليك على الْملك النَّاصِر ليقتلوه ويملكوا غَيره وَكَانَ فِي بُسْتَان ففر هُوَ وَأَخُوهُ الْملك الظَّاهِر إِلَى قلعة دمشق. فبادر الْأُمَرَاء القيمرية جمال الدّين ابْن يغمور والأكابر إِلَى القلعة وأشاروا على النَّاصِر بِأَن يخرج إِلَى المخيم فَخرج. وعندما خرج ركب بيبرس وَسَار إِلَى عزة وَبهَا الْأَمِير نور الدّين بدلان كَبِير الشهرزورية فَتَلقاهُ وأنزله. وسير بيبرس إِلَى الْملك المظفر قطز عَلَاء الدّين طيبرس الوزيري ليحلفه فَكتب إِلَيْهِ الْملك المظفر أَن يقدم عَلَيْهِ. ووعده الوعود الجميلة. فَفَارَقَ بيبرس الناصرية وَوصل فِي جمَاعَة إِلَى مصر فأنزله الْملك المظفر بدار الوزارة وَأَقْبل عَلَيْهِ وأقطعه قليوب وأعمالها. وَبلغ النَّاصِر أَن هولاكو أَخذ قلعة حران وَسَائِر تِلْكَ النواحي وَأَنه عزم على أَخذ حلب فَاشْتَدَّ جزعه وسير زَوجته وَولده وأمواله إِلَى مصر وَخرج مَعَهم نسَاء الْأُمَرَاء وَجُمْهُور النَّاس. فتفرقت العساكر وَبَقِي النَّاصِر فِي طَائِفَة من الْأُمَرَاء. وَنزل هولاكو على البيرة وَأخذ قلعتها - وَأخذ مِنْهَا الْملك السعيد بن الْعَزِيز عُثْمَان بن الْعَادِل وَله بهَا تسع سِنِين فِي الاعتقال وولاه الصبيبة وبانياس - وَنزل على حلب. ففر أهل دمشق وَغَيرهَا وَبَاعُوا أَمْوَالهم بأبخس ثمن وَسَارُوا وَكَانَ الْوَقْت شتاء فَهَلَك مِنْهُم خلق كثير وسير الْملك المغيث من بَقِي عِنْده من البحرية مقيدين على الْجمال وهم نَحْو الْخمسين: مِنْهُم الْأَمِير سنقر الْأَشْقَر. وَسَار أَرْبَعَة من البحرية إِلَى مصر. وهم قلاوون الألفي وبكتاش الفخري أَمِير سلَاح وبكتاش النجمي والحاج طيبرس الوزيري. وفيهَا كثرت الزلازل بِأَرْض مصر. وَفِي ثَانِي عشر جُمَادَى الْآخِرَة: جبي التصقيع من أَمْلَاك الْقَاهِرَة ومصر. وَفِي شعْبَان: قبض على رجل يعرف بالكوراني. وَضرب ضربا مبرحاً بِسَبَب بدع ظَهرت مِنْهُ وجد إِسْلَامه الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام وَأطلق من الاعتقال فَأَقَامَ بِالْجَبَلِ الْأَحْمَر.

الصفحة 509