كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة فِي الْمحرم: نزل هولاكو على مَدِينَة حلب وراسل متوليها الْملك الْمُعظم تورانشاه بن الْملك النَّاصِر يُوسُف على أَن يُسلمهُ الْبَلَد ويرمنه ورعيته فَلم يجبهُ إِلَى طلبه وأبى إِلَّا محاربته. فحصرها التتار سَبْعَة أَيَّام وأخذوها بِالسَّيْفِ وَقتلُوا خلقا كثيرا وأسروا النِّسَاء والذرية ونهبوا الْأَمْوَال مُدَّة خَمْسَة أَيَّام استباحوا فِيهَا دِمَاء الْخلق حَتَّى امْتَلَأت الطرقات من الْقَتْلَى. وَصَارَت عَسَاكِر التتر تمشي على جيف من قتل فَيُقَال إِنَّه أسر مِنْهَا زِيَادَة على مائَة ألف من النِّسَاء وَالصبيان. وامتنعت قلعة حلب فنازلها هولاكو حَتَّى أَخذهَا فِي عَاشر صفر وخربها وَخرب جَمِيع سور الْبَلَد وجوامعها ومساجدها وبساتينها حَتَّى عَادَتْ موحشة. وَخرج إِلَيْهِ الْملك الْمُعظم توران شاه بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فَلم يَعْتَرِضهُ بِسوء لكبر سنه فَمَاتَ بعد أَيَّام. وَوجد هولاكو من البحرية تِسْعَة أنفس فِي حبس الْملك النَّاصِر فَأَطْلَقَهُمْ وَأكْرمهمْ. مِنْهُم سنقر الْأَشْقَر وَسيف الدّين سكز وَسيف الدّين يرامق وَبدر الدّين بكمش المَسْعُودِيّ ولاجين الجمدار الصَّالِحِي وكندغدي الصَّغِير. فَلَمَّا وصل الْخَبَر إِلَى دمشق بِأخذ قلعة حلب اضْطَرَبَتْ بِأَهْلِهَا. وَكَانَ الْملك النَّاصِر قد صادر النَّاس واستخدم لقِتَال التتر فَاجْتمع مَعَه مَا يناهز مائَة ألف مَا بَين عرب وعجم فتمزق حِينَئِذٍ النَّاس وزهدوا فِي أمتعتهم وباعوها بأبخس الْأَثْمَان وَخَرجُوا على وُجُوههم. ورحل الْملك النَّاصِر عَن برزه يَوْم الْجُمُعَة منتصف صفر عَن بَقِي مَعَه يُرِيد غَزَّة وَترك دمشق خَالِيَة وَبهَا عامتها قد أحاطت بالأسوار وَبَلغت أُجْرَة الْجمل سَبْعمِائة دِرْهَم فضَّة وَكَانَ الْوَقْت شتاء. فَلم يثبت النَّاس عِنْد خُرُوج النَّاصِر وَوَقعت فيهم الجفلات حَتَّى كَأَن الْقِيَامَة قَامَت وَكَانَت مُدَّة مملكة النَّاصِر بحلب ودمشق ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَسَبْعَة أشهر مِنْهَا مُدَّة تملكه لدمشق عشر سِنِين تنقص خمسين يَوْمًا. وَلحق الْملك الْأَشْرَف مُوسَى بن الْمَنْصُور صَاحب حمص بهولاكو وَسَار الْملك الْمَنْصُور بن المظفر صَاحب حماة إِلَى مصر بحريمه وَأَوْلَاده وجفل أهل حمص وحماة. وَصَارَ هولاكو إِلَى دمشق بعد أَخذ حلب بِسِتَّة عشر يَوْمًا فَقَامَ الْأَمِير زين الدّين سُلَيْمَان بن الْمُؤَيد بن عَامر العقرباني الْمَعْرُوف بالزين الحافظي وأغلق أَبْوَاب دمشق وَجمع من بَقِي بهَا وَقرر مَعَهم تَسْلِيم الْمَدِينَة إِلَى هولاكو فتسلمها مِنْهُ فَخر الدّين المردفائي وَابْن صَاحب أرزن والشريف عَليّ كَانَ هَؤُلَاءِ قد بعث بهم هولاكو إِلَى

الصفحة 511