كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

أَلا قل لمصرها هلاون قد أَتَى بِحَدّ سيوف تنتضى وبواتر يصير أعز الْقَوْم منا أَذِلَّة وَيلْحق أطفالاً لَهُم بالأكابر فَجمع قطز الْأُمَرَاء وَاتَّفَقُوا على قتل الرُّسُل والمسير إِلَى الصالحية: فَقبض على الرُّسُل واعتقلوا وَشرع فِي تَحْلِيف من تخيره من الْأُمَرَاء وَأمر بِالْمَسِيرِ والأمراء غير راضين بِالْخرُوجِ كَرَاهَة فِي لِقَاء التتر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشر شعْبَان: خرج الْملك المظفر بِجَمِيعِ عَسْكَر مصر وَمن أنضم وَفِيه أحضر قطز رسل التتر وَكَانُوا أَرْبَعَة فوسط وَاحِدًا بسوق الْخَيل تَحت قلعة الْجَبَل ووسط آخر بِظَاهِر بَاب زويلة ووسط الثَّالِث ظَاهر بَاب النَّصْر ورسط الرَّابِع بالريدانية. وعلقت رُءُوسهم على بَاب زويلة وَهَذِه الرُّءُوس أول رُءُوس علقت على بَاب زويلة من التتار. وَأبقى الْملك المظفر على صبي من الرُّسُل وَجعله من جملَة مماليكه. وَنُودِيَ فِي الْقَاهِرَة ومصر وَسَائِر إقليم مصر بِالْخرُوجِ إِلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل الله ونصرة لدين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَتقدم الْملك المظفر لسَائِر الْوُلَاة بإزعاج الأجناد فِي الْخُرُوج للسَّفر وَمن وجد مِنْهُم قد اختفى يضْرب بالمقارع. وَسَار حَتَّى نزل بالصالحية وتكامل عِنْده الْعَسْكَر فَطلب الْأُمَرَاء وَتكلم مَعَهم فِي الرحيل فَأَبَوا كلهم عَلَيْهِ وامتنعوا من الرحيل. فَقَالَ لَهُم: يَا أُمَرَاء الْمُسلمين لكم زمَان تَأْكُلُونَ أَمْوَال بَيت المَال وَأَنْتُم للغزاة كَارِهُون وَأَنا مُتَوَجّه فَمن اخْتَار الْجِهَاد يصحبني وَمن لم يخْتَر ذَلِك يرجع إِلَى بَيته. فَإِن الله مطلع عَلَيْهِ وخطيئة حَرِيم الْمُسلمين فِي رِقَاب الْمُتَأَخِّرين. فَتكلم الْأُمَرَاء الَّذين تخيرهم وحلفهم فِي مُوَافَقَته على الْمسير فَلم يسع الْبَقِيَّة إِلَّا الْمُوَافقَة وانفض الْجمع. فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْل ركب السُّلْطَان وحرك كوساته وَقَالَ: أَنا ألْقى التتار بنفسي فَلَمَّا رأى الْأُمَرَاء مسير السُّلْطَان سَارُوا على كره. وَأمر الْملك قطز الْأَمِير ركن الدّين بيبرس البندقداري أَن يتَقَدَّم فِي عَسْكَر ليعرف أَخْبَار التتر فَسَار بيبرس إِلَى غَزَّة وَبهَا جموع التتر فرحلوا عِنْد نُزُوله وَملك هُوَ غَزَّة.

الصفحة 515