كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

ثمَّ نزل السُّلْطَان بالعساكر إِلَى غَزَّة وَأقَام بهَا يَوْمًا ثمَّ رَحل من طَرِيق السَّاحِل على مَدِينَة عكا وَبهَا يَوْمئِذٍ الفرنج فَخَرجُوا إِلَيْهِ بتقادم وَأَرَادُوا أَن يَسِيرُوا مَعَه نجدة فشكرهم وأخلع عَلَيْهِم واستحلفهم أَن يَكُونُوا لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَأقسم لَهُم أَنه مَتى تبعه مِنْهُم فَارس أَو راجل يُرِيد أَذَى عَسْكَر الْمُسلمين رَجَعَ وَقَاتلهمْ قبل أَن يلقى التتر. وَأمر الْملك المظفر بالأمراء فَجمعُوا وحضهم على قتال التتر وَذكرهمْ بِمَا وَقع بِأَهْل الأقاليم من الْقَتْل والسبي وَالْحَرِير وخوفهم وُقُوع مثل ذَلِك وحثهم على استنقاذ الشَّام من التتر ونصرة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وحذرهم عُقُوبَة الله. فضجوا بالبكاء وتحالفوا على الِاجْتِهَاد فِي قتال التتر ودفعهم عَن الْبِلَاد. فَأمر السُّلْطَان حِينَئِذٍ أَن يسير الْأَمِير ركن الدّين بيبرس البندقداري بِقِطْعَة من الْعَسْكَر فَسَار حَتَّى لَقِي طَلِيعَة التتر. فَكتب إِلَى السُّلْطَان يُعلمهُ بذلك. وَأخذ فِي مناوشتهم فَتَارَة يقدم وَتارَة يحجم إِلَى أَن وافاه السُّلْطَان على عين جالوت وَكَانَ كتبغا وبيدرا نَائِبا هولاكو لما بلغهما مسير العساكر المصرية جمعا من تفرق من التتر فِي بِلَاد الشَّام وسارا يُريدَان محاربة الْمُسلمين فالتقت طَلِيعَة عَسْكَر الْمُسلمين بطليعة التتر وكسرتها. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة خَامِس عشري شهر رَمَضَان: التقى الْجَمْعَانِ وَفِي قُلُوب الْمُسلمين وهم عَظِيم من التتر وَذَلِكَ بعد طُلُوع الشَّمْس. وَقد امْتَلَأَ الْوَادي وَكثر صياح أهل الْقرى من الفلاحين وتتابع ضرب كوسات السُّلْطَان والأمراء فتحيز التتر إِلَى الْجَبَل فعندما اصطدم العسكران اضْطربَ جنَاح عَسْكَر السُّلْطَان وانتفض طرف مِنْهُ فَألْقى الْملك المظفر عِنْد ذَلِك خوذته على رَأسه إِلَى الأَرْض وصرخ بِأَعْلَى صَوته: وَا إسلاماه وَحمل بِنَفسِهِ وبمن مَعَه حَملَة صَادِقَة فأيده الله بنصره وَقتل كتبغا مقدم التتر وَقتل بعده الْملك السعيد حسن بن الْعَزِيز وَكَانَ مَعَ التتر. وَانْهَزَمَ باقيهم ومنح الله ظُهُورهمْ الْمُسلمين يقتلُون وَيَأْسِرُونَ وأبلى الْأَمِير بيبرس أَيْضا بلَاء حسنا بَين يَدي السُّلْطَان. وَمِمَّا اتّفق فِي هَذِه الْوَقْعَة أَن الصَّبِي الَّذِي أبقاه السُّلْطَان من رسل التتر وأضافه إِلَى مماليكه كَانَ رَاكِبًا وَرَاءه حَال اللِّقَاء. فَلَمَّا التحم الْقِتَال فَوق سَهْمه نَحْو السُّلْطَان فَبَصر بِهِ بعض من كَانَ حوله فَأمْسك وَقتل مَكَانَهُ. وَقيل بل رمى الصَّبِي السُّلْطَان بسهمه فَلم يُخطئ فرسه وصرعه إِلَى الأَرْض وَصَارَ السُّلْطَان على قَدَمَيْهِ فَنزل إِلَيْهِ فَخر الدّين ماما وأركبه فرسه حَتَّى حضرت الجنائب فَركب فَخر الدّين مِنْهَا.

الصفحة 516