كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

وَمر الْعَسْكَر فِي أثر التتر إِلَى قرب بيسان فَرجع التتر وصافوا مصافاً ثَانِيًا أعظم من الأول فَهَزَمَهُمْ الله وَقتل أكابرهم وعدة مِنْهُم. وَكَانَ قد تزلزل الْمُسلمُونَ زلزالاً شَدِيدا فَصَرَخَ السُّلْطَان صرخة عَظِيمَة سَمعه مُعظم الْعَسْكَر وَهُوَ يَقُول: وَا إسلاماه ثَلَاث مَرَّات يَا لله انصر عَبدك قطز على التتار. فَلَمَّا انْكَسَرَ التتار الكسرة الثَّانِيَة نزل السُّلْطَان عَن فرسه ومرغ وَجهه على الأَرْض وَقبلهَا وَصلى رَكْعَتَيْنِ شكرا لله تَعَالَى ثمَّ ركب فَأقبل الْعَسْكَر وَقد امْتَلَأت أَيْديهم بالمغانم. فورد الْخَبَر بانهزام التتر إِلَى دمشق لَيْلَة الْأَحَد سَابِع عشريه وحملت رَأس كتبغا مقدم التتار إِلَى الْقَاهِرَة ففر الزين الحافظي ونواب التتار من دمشق وتبعهم أَصْحَابهم فامتدت أَيدي أهل الضّيَاع إِلَيْهِم ونهبوهم فَكَانَت مُدَّة اسْتِيلَاء التتر على دمشق سَبْعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام. وَفِي يَوْم الْأَحَد الْمَذْكُور: نزل السُّلْطَان على طبرية وَكتب إِلَى دمشق يبشر النَّاس بِفَتْح الله لَهُ وخذلانه التتر وَهُوَ أول كتاب ورد مِنْهُ إِلَى دمشق فَلَمَّا ورد الْكتاب سر النَّاس بِهِ سُرُورًا كثيرا وَبَادرُوا إِلَى دور النَّصَارَى فنهبوها وأخربوا مَا قدرُوا على تخريبه وهدموا كَنِيسَة اليعاقبة وكنيسة مَرْيَم وأحرقوها حَتَّى بَقِيَتَا كوماً وَقتلُوا عدَّة من النَّصَارَى واستتر باقيهم. وَذَلِكَ أَنهم فِي مُدَّة اسْتِيلَاء التتر هموا مرَارًا بالثورة على الْمُسلمين وخربوا مَسَاجِد ومآذن كَانَت بجوار كنائسهم وأعلنوا بِضَرْب الناقوس وركبوا بالصليب وَشَرِبُوا الْخمر فِي الطرقات ورشوه وَفِي ثامن عشريه: نهب الْمُسلمُونَ الْيَهُود بِدِمَشْق حَتَّى لم يتْركُوا لَهُم شَيْئا وأصبحت حوانيتهم بالأسواق دكاً فَقَامَ طَائِفَة من الأجناد حَتَّى كفوا النَّاس عَن حريق كنائسهم وَبُيُوتهمْ. وَفِيه ثار أهل دمشق بِجَمَاعَة من الْمُسلمين كَانُوا من أعوان التتار وقتلوهم وخربوا الدّور الْمُجَاورَة للكنائس وَقتلُوا جمَاعَة من الْمغل فَكَانَ أمرا مهولاً. وَفِي تَاسِع عشرينه: وصل بكرَة النَّهَار الْأَمِير جمال الدّين المحمدي الصَّالِحِي بمرسوم الْملك المظفر قطز منزل بدار السَّعَادَة وَأمن النَّاس ووطنهم. وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء آخر شهر رَمَضَان: وصل الْملك المظفر إِلَى ظَاهر دمشق فخيم هُنَاكَ وَأقَام إِلَى ثَانِي شَوَّال فَدخل إِلَى دمشق وَنزل بالقلعة وجرد الْأَمِير ركن الدّين بيبرس إِلَى حمص فَقتل من التتر وَأسر كثيرا وَعَاد إِلَى دمشق.

الصفحة 517