كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

وَكَانَت الْقَاهِرَة قد زينت لقدوم الْملك المظفر قطز وَالنَّاس فِي فَرح ومسرات بقتل التتر. فَلَمَّا طلع النَّهَار نَادَى الْمُنَادِي فِي النَّاس: ترحموا على الْملك المظفر وَادعوا لسلطانكم الْملك القاهر ركن الدّين بيبرس. ثمَّ فِي آخر النَّهَار أَمر بِالدُّعَاءِ للْملك الظَّاهِر. فغم النَّاس ذَلِك وخافوا من عودة دولة الممالك البحرية وَسُوء مملكتهم وجورهم. وَكَانَ قطز قد أحدث فِي هَذِه السّنة حوادث كَثِيرَة عِنْد حركته لقِتَال التتر: مِنْهَا تصقيع الْأَمْلَاك وتقويمها وَأخذ زَكَاتهَا من أَرْبَابهَا وَأخذ من كل وَاحِد من النَّاس من جَمِيع أهل إقليم مصر دِينَارا وَأخذ من التّرْك الْأَهْلِيَّة ثلثهَا. فَأبْطل الْملك الظَّاهِر جَمِيع مَا أحدثه قطز وَكتب بِهِ توقيعاً وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ: صَبِيحَة قدوم السُّلْطَان جلس الْملك الظَّاهِر بيبرس بالإيوان من القلعة وَحلف العساكر واستناب الْأَمِير بدر الدّين بيليك الخازندار وَاسْتقر الْأَمِير فَارس الدّين أقطاي المستعرب أتابكاً على عَادَته والأمير جمال الدّين أقوش النجيبي الصَّالِحِي أستاداراً والأمير عز الدّين الأقرم الصَّالِحِي أَمِير جاندار والأمير صِيَام الدّين لاجين الدرفيل والأمير سيف الدّين بلبان الرُّومِي دوادارية والأمير بهاء الدّين أَمِير أخور على عَادَته. ورتب فِي الوزارة الصاحب زين الدّين يَعْقُوب ابْن الزبير والأمير ركن الدّين إياجي والأمير سيف الدّين بكجري حاجبين. وَكتب لإحضار البحرية البطالين من البلادة وَكتب إِلَى الْمُلُوك والنواب يُخْبِرهُمْ بسلطنته فَأَجَابُوا كلهم بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة خلا الْأَمِير سنجر الْحلَبِي نَائِب دمشق فَإِنَّهُ لما اسْتَقر فِي نِيَابَة دمشق كَانَ قد عمر سورها وحصنها فورد عَلَيْهِ الْخَبَر بقتل قطز وسلطنة بيبرس فِي أَوَائِل ذِي الْحجَّة فامتعض لذَلِك وأنف من طَاعَة بيبرس. ودعا لنَفسِهِ وَحلف الْأُمَرَاء وتلقب بِالْملكِ الْمُجَاهِد وخطب لَهُ يَوْم الْجُمُعَة سادس ذِي الْحجَّة فَدَعَا الْخَطِيب للْملك الظَّاهِر أَولا ثمَّ للْملك الْمُجَاهِد ثَانِيًا وَضربت السِّكَّة باسمهما. ثمَّ ارْتَفع الْمُجَاهِد عَن هَذَا وَركب بشعار السلطنة والغاشية بَين يَدَيْهِ وَشرع فِي عمَارَة قلعة دمشق وَجمع لَهَا الصناع وكبراء الدولة وَالنَّاس وَعمِلُوا فِيهَا حَتَّى عملت النِّسَاء أَيْضا وَكَانَ عِنْد النَّاس بذلك سرُور

الصفحة 521