كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

مُحَمَّد الصنهاجي التزمنتي أَنه أَحْمد بن الإِمَام الظَّاهِر بن الإِمَام النَّاصِر. فَقبل قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين شَهَادَات الْقَوْم وأسجل على نَفسه بالثبوت وَهُوَ قَائِم على قَدَمَيْهِ فِي ذَلِك المحفل الْعَظِيم حَتَّى ضم الإسجال وَالْحكم. فَلَمَّا تمّ ذَلِك كَانَ أول من بَايعه القَاضِي تَاج الدّين ثمَّ بعده قَامَ السُّلْطَان وَبَايع أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَبَا الْقَاسِم أَحْمد بن الإِمَام الظَّاهِر على الْعَمَل بِكِتَاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله وَأخذ أَمْوَال الله بِحَقِّهَا وصرفها فِي مستحقها. ثمَّ بَايعه بعد السُّلْطَان الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام ثمَّ الْأُمَرَاء وكبار الدولة. فَلَمَّا تمت الْبيعَة قلد الإِمَام الْمُسْتَنْصر بِاللَّه السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر الْبِلَاد الإسلامية وَمَا ينضاف إِلَيْهَا وَمَا سيفتحه الله على يَدَيْهِ من بِلَاد الْكفَّار ثمَّ قَامَ النَّاس فَبَايعُوا الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه على اخْتِلَاف طبقاتهم. وَكتب فِي الْوَقْت إِلَى الْمُلُوك والنواب بِسَائِر الممالك أَن يَأْخُذُوا الْبيعَة على من قبلهم للخليفة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أبي الْقَاسِم أَحْمد بن الإِمَام الظَّاهِر وَأَن يدعى لَهُ على المنابر ثمَّ يدعى للسُّلْطَان بعده وَأَن تنقش السِّكَّة باسمهما. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشرَة: خطب الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه فِي جَامع القلعة فَاسْتَفْتَحَ بِقِرَاءَة صدر سُورَة الْأَنْعَام ثمَّ صلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وترضى عَن الصَّحَابَة وَذكر شرف بني الْعَبَّاس ودعا للْملك الظَّاهِر وَقضي الْخطْبَة فَاسْتحْسن النَّاس ذَلِك مِنْهُ واهتم السُّلْطَان بأَمْره ونثر عَلَيْهِ جملا مستكثرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة. فَلَمَّا شرع فِي الخطة تلكأ فِيهَا ثمَّ نزل بعد تَمامهَا وَصلى بِالنَّاسِ الْجُمُعَة. وَكَانَ منصب الْخلَافَة شاغراً ثَلَاث سِنِين وَنصف سنة مُنْذُ قتل الْخَلِيفَة المستعصم فِي صفر سنة سِتّ وَخمسين فَكَانَ الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه هُوَ الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ من خلفاء بني الْعَبَّاس وَبَينه وَبَين الْعَبَّاس أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ أَبَا. وَكَانَ أسمر اللَّوْن وسيماً شَدِيد القوى عالي الهمة لَهُ شجاعة وإقدام. وَاتفقَ لَهُ مَا لم يتَّفق لغيره وَهُوَ أَنه لقب بالمستنصر لقب أَخِيه باني الْمدرسَة المستنصرية بِبَغْدَاد وَلم يَقع لغيره أَن الْخَلِيفَة لقب بلقب أَخِيه سواهُ. فِي يَوْم الْأَحَد تَاسِع عشره: ركب الْخَلِيفَة وَالسُّلْطَان من قلعة الْجَبَل إِلَى مَدِينَة مصر وركبا فِي الحراريق وسارا فِي النّيل إِلَى قلعة الجزيرة وجلسا فِيهَا وأحضرت الشواني الحربية فلعبت فِي النّيل على هَيْئَة محاربتها الْعَدو فِي الْبَحْر ثمَّ ركبا إِلَى الْبر وَسَار إِلَى قلعة الْجَبَل وَقد خرج النَّاس لمشاهدتهما فَكَانَ من الْأَيَّام المشهودة.

الصفحة 530