كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

وَفِيه قلد السُّلْطَان الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحلَبِي - الَّذِي ثار قبلا بِدِمَشْق - نِيَابَة حلب وجهز مَعَه أُمَرَاء لكل مِنْهُم وَظِيفَة وهم: الْأَمِير شرف الدّين قيران الفخري استادار والأمير بدر الدّين جماق أَمِير جاندار والأمير عَلَاء الدّين أيدكين الشهابي شاد الدَّوَاوِين. وَسَار الْأَمِير علم الدّين من الْقَاهِرَة كَمَا تُسَافِر الْمُلُوك فَدخل حلب فِي ثَالِث شعْبَان فَحَضَرَ إِلَيْهِ جمَاعَة من العزيزية والناصرية وسألوا الْأمان كَانَت العزيزية والناصرية قد اخْتلفُوا وَخَرجُوا إِلَى السَّاحِل فأقطعهم السُّلْطَان إقطاعات وأحضر مِنْهُم عدَّة إِلَى مصر. وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شعْبَان: ركب السُّلْطَان إِلَى خيمة ضربت لَهُ فِي الْبُسْتَان الْكَبِير خَارج الْقَاهِرَة وَمَعَهُ أهل الدولة. وحملت الْخلْع صُحْبَة الْأَمِير مظهر الدّين وشاح الخفاجي وخادم الْخَلِيفَة الْمُسْتَنْصر بِاللَّه. فَدخل السُّلْطَان إِلَى خيمة أُخْرَى. وأفيضت عَلَيْهِ الْخلْع الخليفتية وَخرج بهَا وَهِي: عِمَامَة سَوْدَاء مذهبَة مزركشة ودراعة بنفسجية اللَّوْن وطوق ذهب وَقيد من ذهب عمل فِي رجلَيْهِ وعدة سيوف تقلد مِنْهَا وَاحِدًا وحملت الْبَقِيَّة خَلفه ولواءان منشوران على رَأسه وسهمان كبيران وترس. فَقدم لَهُ فرس أَشهب فِي عُنُقه مشدة سَوْدَاء وَعَلِيهِ كنبوش أسود. وَطلب الْأُمَرَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد وخلع عَلَيْهِم وخلع على قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين وعَلى الصاحب بهاء الدّين وَعلي فَخر الدّين بن لُقْمَان صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء. وَنصب مُنِير فَصَعدَ عَلَيْهِ ابْن لُقْمَان بَعْدَمَا جلل بِثَوْب حَرِير أطلس أصفر وَقَرَأَ تَقْلِيد الْخَلِيفَة للسُّلْطَان وَهُوَ من إنشائه وَنَصه بعد الْبَسْمَلَة: الْحَمد لله الَّذِي اصْطفى الْإِسْلَام بملابس الشّرف وَأظْهر بهجة درره وَكَانَت خافية بِمَا استحكم عَلَيْهَا من الصدف وشيدها وَهِي من غلائه حَتَّى أنسى ذكر مَا سلف وَقيد لنصره ملوكاً اتّفق على طاعتهم من اخْتلف. أَحْمَده على نعمه الَّتِي رتعت الْأَعْين مِنْهَا فِي الرَّوْض الْأنف وألطافه الَّتِي وقف الشُّكْر عَلَيْهَا فَلَيْسَ عَنْهَا منصرف. وَأشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة توجب من المخاوف أمنا وتسهل من الْأُمُور مَا كَانَ حزنا. وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده الَّذِي جبر من الدّين وَهنا وَرَسُوله الَّذِي أظهر من المكارم فنوناً لَا فَنًّا صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الَّذين أضحت مناقبهم بَاقِيَة لَا تفنى وَأَصْحَابه الَّذين أَحْسنُوا فِي الدُّنْيَا فاستحقوا الزِّيَادَة من الْحسنى.

الصفحة 531