كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

وَبعد فَإِن أولي الْأَوْلِيَاء بِتَقْدِيم ذكره وأحقهم أَن يصبح الْقَلَم رَاكِعا وساجداً فِي تسطير مناقبه وبره من سعى فأضحى بسعيه الحميد مُتَقَدما ودعا إِلَى طَاعَته فَأجَاب من كَانَ منجداً ومتهماً وَمَا بَدَت يَد من المكرمات إِلَّا كَانَ لَهَا زنداً ومعصماً وَلَا استباح بِسَيْفِهِ حمى وغي إِلَّا أضرمه نَارا وأجراه دَمًا. وَلما كَانَت هَذِه المناقب الشَّرِيفَة مُخْتَصَّة بالْمقَام العالي المولوي السلطاني الملكي الظَّاهِرِيّ الركني شرفه الله وَأَعلاهُ ذكره الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ الإمامي المستنصري أعز الله سُلْطَانه تنويهاً بشريف قدره واعترافاً بصنعه الَّذِي تنفد الْعبارَة المسهبة وَلَا تقوم بشكره. وَكَيف لَا وَقد أَقَامَ الدولة العباسية بعد أَن أقعدتها زمانة الزَّمَان وأذهبت مَا كَانَ من محَاسِن وإحسان وأعتب دهرها الْمُسِيء لَهَا فأعتب وأرضي عَنْهَا زَمَنهَا وَقد كَانَ صال عَلَيْهَا صولة مغضب. فَأَعَادَهُ لَهَا سلما بعد أَن كَانَ عَلَيْهَا حَربًا وَصرف إِلَيْهَا اهتمامه فَرجع كل متضايق من أمورها وَاسِعًا رحباً ومنح أَمِير الْمُؤمنِينَ عِنْد الْقدوم عَلَيْهِ حنواً وعطفاً وَأظْهر من الْوَلَاء رَغْبَة فِي ثَوَاب الله مَا لَا يخفى وَأبْدى من الاهتمام بِأَمْر الشَّرِيعَة والبيعة أَمر لَو رامه غَيره لامتنع عَلَيْهِنَّ وَلَو تمسك بحبله متمسك لانقطع بِهِ قبل الْوُصُول إِلَيْهِ. لَكِن الله تَعَالَى ادخر هَذِه الْحَسَنَة ليثقل بهَا ميزَان ثَوَابه ويخفف بهَا يَوْم الْقِيَامَة حسابه والسعيد من خفف من حسابه. فَهَذِهِ منقبة أَبى الله إِلَّا أَن يخلدها فِي صحيفَة صنعه ومكرمة قَضَت لهَذَا الْبَيْت الشريف بجمعه بعد أَن حصل الْإِيَاس من جمعه. وأمير الْمُؤمنِينَ يشْكر لَك هَذِه الصَّنَائِع ويعترف أَنه لَوْلَا اهتمامك لاتسع الْخرق على الْوَاقِع. وَقد قلدك الديار المصرية والبلاد الشامية والديار البكرية والحجازية واليمنية والفراتية وَمَا يَتَجَدَّد من الفتوحات غوراً ونجماً وفوض أَمر جندها ورعاياها إِلَيْك حِين أَصبَحت بالمكارم فَردا وَلَا جعل مِنْهَا بَلَدا من الْبِلَاد وَلَا حصناً من الْحُصُون يسْتَثْنى وَلَا جِهَة من الْجِهَات تعد فِي الْأَعْلَى فلاحظ أُمُور الْأمة فقد أَصبَحت لَهَا حَامِلا وخلص نَفسك من التَّبعَات الْيَوْم فَفِي غَد تكون مسئولاً لَا سَائِلًا ودع الاغترار بِأَمْر الدُّنْيَا فَمَا نَالَ أحد مِنْهَا طائلاً وَمَا رَآهَا أحد بِعَين الْحق إِلَّا رَآهَا خيالاً زائلاً فالسعيد من قطع مِنْهَا آماله الموصولة وَقدم لنَفسِهِ زَاد التَّقْوَى فتقدمة غير التَّقْوَى مَرْدُودَة لَا مَقْبُولَة. وابسط يدك بِالْإِحْسَانِ وَالْعدْل فقد أَمر الله بِالْعَدْلِ وحث على الْإِحْسَان وَكرر ذكره فِي مَوَاضِع من

الصفحة 532