كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

وَكَانَ السُّلْطَان قد عزم أَن يبْعَث مَعَ الْخَلِيفَة عشرَة آلَاف فَارس حَتَّى يسْتَقرّ بِبَغْدَاد وَيكون أَوْلَاد صَاحب الْموصل فِي خدمته. فَخَلا أحدهم بالسلطان وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَلا يفعل: فَإِن الْخَلِيفَة إِذا اسْتَقر أمره بِبَغْدَاد نازعك وأخرجك من مصر. فَرجع إِلَيْهِ الوسواس وَلم يبْعَث مَعَ الْخَلِيفَة سوي ثَلَاثمِائَة فَارس. وجرد السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين بلبان الرَّشِيدِيّ والأمير شمس الدّين سنقر الرُّومِي إِلَى حلب وَأَمرهمَا بِالْمَسِيرِ إِلَى الْفُرَات وَإِذا ورد عَلَيْهِمَا كتاب الْخَلِيفَة بِأَن يسير أَحدهمَا إِلَيْهِ سَار. وَركب السُّلْطَان لوداع الْخَلِيفَة وسافر الْخَلِيفَة فِي ثَالِث عشر ذِي الْقعدَة وَمَعَهُ أَوْلَاد صَاحب الْموصل الثَّلَاثَة ففارقوه فِي أثْنَاء الطَّرِيق وَتوجه كل مِنْهُم إِلَى مَمْلَكَته فوصل الْخَلِيفَة إِلَى الرحبة وَأَتَاهُ الْأَمِير عَليّ بن حُذَيْفَة من آل فضل بأربعمائة فَارس من الْعَرَب وانضاف إِلَيْهِ من مماليك المواصلة نَحْو السِّتين مَمْلُوكا وَلحق بِهِ الْأَمِير عز الدّين بركَة من حماة فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا ورحل الْخَلِيفَة من الرحبة إِلَى مشْهد عَليّ فَوجدَ رجلا ادّعى أَنه من بني الْعَبَّاس قد اجْتمع إِلَيْهِ سَبْعمِائة فَارس من التركمان كَانَ الْأَمِير شمس الدّين أقومش البرلي قد جهزهم من حلب. فَبعث الْخَلِيفَة إِلَى التركمان واستمالهم ففارقوه وَأتوا الْخَلِيفَة فَبعث إِلَيْهِ الْخَلِيفَة يستدعيه وأمنه ورغبه فِي اجْتِمَاع الْكَلِمَة على إِقَامَة الدولة العباسية ولاطفه حَتَّى أجَاب وَقدم إِلَيْهِ فوفى لَهُ وأنزله مَعَه. وَسَار الْخَلِيفَة إِلَى عانة ثمَّ إِلَى الحنيشة وَخرج يُرِيد هيت وَكتب إِلَى الْملك الظَّاهِر بيبرس بذلك. وَأما حلب فَإِن الْأَمِير سنجر الْحلَبِي فَارقهَا وَسَار إِلَى دمشق فاستولى عَلَيْهَا الْأَمِير شمس الدّين أقوش البرلي وَبعث بِالطَّاعَةِ إِلَى السُّلْطَان فَأبى إِلَّا حُضُوره فَلَمَّا سَار الْأَمِير سيف الدّين الرَّشِيدِيّ والأمير سنقر الرُّومِي من دمشق رَحل أقوش عَن حلب فدخلاها وسارا مِنْهَا إِلَى الْفُرَات وأغارا على بِلَاد أنطاكية وَكسب الْعَسْكَر وغنم وَحرق غلال الفرنج ومراكبهم وَعَاد. فولى السُّلْطَان الْأَمِير عَلَاء الدّين بندقدار نِيَابَة حلب فَأَقَامَ بهَا فِي شدَّة من غلاء الأسعار وَعدم الْقُوت ثمَّ رَحل عَنْهَا.

الصفحة 537