كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

وَفِي ثَالِث شهر رَمَضَان: عزل السُّلْطَان قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين السنجاري عَن قَضَاء مصر وَالْوَجْه القبلي وَأعَاد قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب ابْن بنت الْأَعَز فَصَارَ بِيَدِهِ قَضَاء الْقُضَاة بديار مصر كلهَا. وَكَانَ متشدداً فِي أَحْكَامه فرسم لَهُ فِي ذِي الْقعدَة أَن يَسْتَنِيب عَنهُ مدرسي الْمدرسَة الصالحية من الْحَنَفِيَّة والمالكية والحنابلة فاستنابهم فِي الحكم عَنهُ وَلم يعرف ذَلِك عصر قبل هَذَا الْوَقْت: فَجَلَسَ القَاضِي صدر الدّين سُلَيْمَان الْحَنَفِيّ وَالْقَاضِي شرف الدّين عمر السُّبْكِيّ الْمَالِكِي وَالْقَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْحَنْبَلِيّ فِي أول ذِي الْقعدَة وحكموا بَين النَّاس بمذاهبهم. وَفِي رابعه: قبض على الْأَمِير عَلَاء الدّين الْحَاج طيبرس الوزيري نَائِب الشَّام وَحمل إِلَى مصر فاعتقل بقلعة الْجَبَل وَكَانَت مُدَّة نيابته سنة وشهراً. وَحكم فِي دمشق بعده الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغدي الْحَاج الركني إِلَى أَن يحضر نَائِب. وفيهَا كثر الإرجاف فِي دمشق بحركة التتار فَكتب السُّلْطَان برحيل أهل الشَّام بأهليهم إِلَى مصر. فَحَضَرَ من تِلْكَ الْبِلَاد خلق كثير بَعْدَمَا كتب السُّلْطَان إِلَى الْوُلَاة بتخميرهم وَألا يُؤْخَذ مِنْهُم مكس وَلَا زَكَاة وَلَا يتَعَرَّض لما مَعَهم من متجر وَلَا غَيره وَلَا تغش تِجَارَة فاعتمد ذَلِك. وَكتب السُّلْطَان إِلَى حلب بتحريق الأعشاب فسيرت جمَاعَة إِلَى بِلَاد آمد وَغَيرهَا وَحرقت الأعشاب الَّتِي كَانَت بالمروج الَّتِي جرت عَادَة هولاكو أَن ينزلها. فعمت النَّار مسيرَة عشرَة أَيَّام حَتَّى صَارَت كلهَا رَمَادا وهم الْحَرِيق بِلَاد خلاط وَقطع السنبل وَهُوَ أَخْضَر. وفيهَا خرجت الكشافة من دمشق وَغَيرهَا فظفروا بِكَثِير من التتار يُرِيدُونَ الْقدوم إِلَى مصر مستأمنين. وَقد كَانَ الْملك بركَة بَعثهمْ نجدة إِلَى هولاكو فَلَمَّا وَقع بَينهمَا كتب يستدعيهم إِلَيْهِ وَيَأْمُرهُمْ أَن تعذر عَلَيْهِم اللحاق بِهِ أَن يصيروا إِلَى عَسَاكِر مصر. وَكَانَ سَبَب عَدَاوَة بركَة وهولاكو أَن وقعه كَانَت بَينهمَا قتل فِيهَا ولد هولاكو وَكسر عسكره وتمزقوا فِي الْبِلَاد وَصَارَ هولاكو إِلَى قلعة بوسط بحيرة أذربيجان محصورا بهَا. فَلَمَّا بلغ ذَلِك السُّلْطَان سر بِهِ وَفَرح النَّاس باشتغال هولاكو عَن قصد بِلَاد الشَّام. وَكتب السُّلْطَان إِلَى النواب بإكرام الوافدية من التتار وَالْإِقَامَة لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من العليق وَالْغنم وَغَيره وسيرت إِلَيْهِم الْخلْع والإنعامات وَالسكر وَنَحْوه. وَسَارُوا إِلَى الْقَاهِرَة فَخرج السُّلْطَان إِلَى لقائهم فِي سادس عشري ذِي الْحجَّة وَلم يتَأَخَّر أحد عَن مشاهدتهم فَتَلقاهُمْ وأنزلهم فِي دور بنت لَهُم فِي اللوق ظَاهر

الصفحة 544