كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

احتجاب عَن أحد فَمن وقف لَهُ أحضرهُ وَأخذ قصَّته وأنصفه وَهُوَ فِي أَمر وَنهي وَعَطَاء وتدبير واستجلاب قُلُوب أهل الكرك. وقدمت رسل دَار الدعْوَة بالهدايا فَأحْسن إِلَيْهِم وعادوا. وَأمر جمَاعَة فِي الشَّام والساحل وَأعْطِي الْأَمِير عَلَاء الدّين أَيْدِيكُنَّ البندقدار إقطاعا جيدا بِمصْر. وَطلب أهل بِلَاد السَّاحِل من الفلاحين وَقرر عَلَيْهِم أَمْوَالًا سَمَّاهَا جنايات وألزمهم بحملها إِلَى بَيت المَال عَن ديات من قتل وَلَيْسَ لَهُ وَارِث وهم مَا نهبوه من مَال جهل مَالِكه. فَحملت من ذَلِك أَمْوَال كَثِيرَة جدا من بِلَاد نابلس وبلاد السَّاحِل وانكسرت شَوْكَة أهل العيث وَالْفساد بذلك بَعْدَمَا كَانَ الضَّرَر عَظِيما بهم من تسلطهم على الرّعية ونقلهم الْأَخْبَار للفرنج. فَرَأى السُّلْطَان عقوبتهم بِهَذَا الْفِعْل أولى من قَتلهمْ فَإِنَّهُم أَصْحَاب زرع وضرع. ركب السُّلْطَان وجرد من كل عشرَة فَارِسًا واستناب الْأَمِير شُجَاع الدّين الشبلي المهمندار فِي الدهليز السلطاني وسَاق من منزلَة الطّور نصف اللَّيْل. فَصبح عكا وأطاف بهَا من جِهَة الْبر وَندب جمَاعَة لحصار برج كَانَ قَرِيبا مِنْهُ فشرعوا فِي نقبه وَأقَام لسلطان على ذَلِك إِلَى قريب الْمغرب وَعَاد. وَكَانَ قَصده بذلك كشف مَدِينَة عكا فَإِن الفرنج كَانُوا يَزْعمُونَ أَن أحدا لَا يَجْسُر أَن يقرب مِنْهَا فصاروا ينظرُونَ من أَبْوَاب الْمَدِينَة وَلَا يَسْتَطِيعُونَ حَرَكَة. وَلما عَاد السُّلْطَان إِلَى الدهليز ركب لما أصبح وأركب نَاس مَعَه وسَاق إِلَى عكا. فَإِذا الفرنج قد حفروا خَنْدَقًا حول تل الفضول وَجعلُوا معاثر فِي الطَّرِيق ووقفوا صُفُوفا على التل فَلَمَّا أشرف السُّلْطَان عَلَيْهِم رتب الْعَسْكَر بِنَفسِهِ وَشرع الْجَمِيع فِي ذكر الله وتهليله وتكبيره وَالسُّلْطَان يحثهم على ذَلِك حَتَّى ارْتَفَعت أَصْوَاتهم. وللوقت ردمت الْخَنَادِق بأيدي غلْمَان العساكر وبمن حضر من الْفُقَرَاء الْمُجَاهدين وَصعد الْمُسلمُونَ فَوق تل الفضول وَقد انهزم الفرنج إِلَى الْمَدِينَة. وامتدت الْأَيْدِي إِلَى مَا حول عكا من الأبراج فهدمت وَحرقت الْأَشْجَار حَتَّى انْعَقَد الجو من دخانها. وسَاق الْعَسْكَر إِلَى أَبْوَاب عكا وَقتلُوا وأسروا عدَّة من الفرنج سَاعَة وَاحِدَة وَالسُّلْطَان قَائِم على رَأس التل يعْمل فِي أَخذ رَأْي الْمَدِينَة والأمراء تحمل على الْأَبْوَاب وَاحِدًا بعد وَاحِد. ثمَّ حملُوا حَملَة وَاحِدَة ألقوا فِيهَا الفرنج فِي

الصفحة 554