كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 1)

مَا خامرتم على صَاحبكُم. وَقد ازددت فِيكُم محبَّة فتناسوا الحقود. وأحضر الْأَمِير عبِّيَّة وَغَيره عَن هرب من بني مهْدي وألزمهم أَدْرَاك الْبِلَاد وخفرهم إِلَى أَرض الْحجاز وَأمر بعمارة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي السُّور وحصنه وحفر الخَنْدَق وأحاطه بالحصن وَلم يكن قبل ذَلِك كَذَلِك. وأشحن الْحصن بالأسلحة والغلال وآلات الْحَرْب والأقوات وَوضع فِيهِ مبلغ سبعين ألف دِينَار عينا وَمِائَة وَخمسين دِرْهَم نقرة. واستناب بالكرك الْأَمِير عز الدّين أيدمر من مماليكه وأضاف إِلَيْهِ الشوبك وَأَعْطَاهُ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَكَثِيرًا من ورحل السُّلْطَان إِلَى مصر وَمَعَهُ أَوْلَاد الْملك المغيث وحريمه فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشريه. فَدخل الْقَاهِرَة فِي سَابِع عشر رَجَب وَقد زينت أحسن زِينَة فشق القصبة إِلَى قلعة الْجَبَل على شقق الْحَرِير الأطلس والعتابي وخلع على الْأُمَرَاء والمفاردة والمقدمين وَجَمِيع حَاشِيَته وغلمانه ومباشريه وَأعْطى الْعَزِيز بن الْملك المغيث إمرة مائَة فَارس وخلع عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ طبلخاناه وَأطلق لأخويه وَحرم أَبِيه سَائِر مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ هم وغلمانمهم وأنزلهم بدار القطبية بَين القصرين من الْقَاهِرَة. وَأصْبح السُّلْطَان فَقبض على الْأَمِير سيف الدّين الرَّشِيدِيّ واعتقله. وَفِي تَاسِع عشره قبض على الْأَمِير عز الدّين أيبك الدمياطي والأمير شمس الدّين أقوش البرلي واعتقلهما فَكَانَ آخر الْعَهْد بأقوش البرلي. وَلما قبض السُّلْطَان عَلَيْهِمَا أحسن إِلَى مماليكهما وحواشيهما وَلم يغر على أحد مِنْهُم وَلَا تعرض إِلَى بيُوت الْأُمَرَاء. وَكَانَ سَبَب تنكره على هَذِه الْأُمَرَاء أَنه كَانَ قد فوض إِلَى الرَّشِيدِيّ أَمر المملكة حَتَّى تصرفت يَده فِي كل شَيْء وَأطلق لَهُ فِي كل جُمُعَة خوانين من عِنْده يمدان لَهُ حَتَّى مَاء الْورْد ورتب لَهُ كل شهر كلونتين زركش قيمَة كل مِنْهُمَا مبلغ خمسين دِينَارا عينا وَقِيمَة كلبندها مبلغ أَرْبَعِينَ دِينَارا ورتب لَهُ برسم مشروبه اثْنَي عشر ألف دِينَار فِي كل سنة. هَذَا سوى مَا لَهُ من الاقطاعات الجليلة والمرتبات الْكَثِيرَة وَسوى الإنعامات وجوامك البزدارية والفهادة وعليق الْخَيل. فَأقبل الرَّشِيدِيّ على اللَّهْو وَشرب الْخمر وحمت حَوَاشِيه عدَّة بِلَاد وَحدثت مِنْهُ أُمُور لَا تسر فأغضى عَنهُ السُّلْطَان. فَلَمَّا كَانَ بِالطورِ بلغه أَن الرَّشِيدِيّ قد فَسدتْ نِيَّته فَأَقَامَ عَلَيْهِ عيُونا تحفظ كل مَا يجْرِي مِنْهُ: فَبَلغهُ عَنهُ

الصفحة 557