كتاب المستقصى في أمثال العرب (اسم الجزء: 1)
د فِي أوساط الْكَلم وأواخرها، وَمَتى تَسَاوَت صُدُور الْأَمْثَال وَجَاءَت شرعا لَا يدلى بَعْضهَا بِفضل التَّقَدُّم على بعض عدلت بِالنّظرِ إِلَى أعجازها فَقدمت الأحق فالأحق، وكل كلمة وَجدتهَا متكررة سطرتها كرة وَاحِدَة ثمَّ لم أتعرض لَهَا فِي سَائِر مواقعها إِلَى أَن انْتَهَيْت إِلَى أُخْتهَا الَّتِي تطَأ؛ عَقبهَا إِلَّا إِذا استكره ذَلِك وغمض، وَقد عنيت فِي شرحها بإيراد قصصها، وَذكر النكت وَالرِّوَايَات فِيهَا، والكشف عَن مَعَانِيهَا والإنباه على مضاربها، والتقاط أَبْيَات الشواهد لَهَا، على أَنى اشْترطت تحري الِاخْتِصَار وَتَجْرِيد الْأَلْفَاظ عَن الفضلات الَّتِي يسْتَغْنى عَنْهَا فِي حط اللثام عَن وَجه الْمَعْنى، ولارتفاع الْكتاب محيطا بِهَذِهِ النعوت كلهَا سميته " المستقصى فِي أَمْثَال الْعَرَب "، وَكَأَنِّي بالعالم الْمنصف قد اطلع عَلَيْهِ فارتضاه وأجال فِيهِ نظرة ذِي علق وَلم يتلفت إِلَى حُدُوث عَهده وَقرب ميلاده لِأَنَّهُ إِنَّمَا يستجيد الشَّيْء ويسترذله لجودته ورداءته فِي ذَاته لَا لقدمه وحدوثه، وبالجاهل الْمشْط قد سمع بِهِ فسارع إِلَى تمزيق فروته وتوجيه المعاب إِلَيْهِ، وَلما يعرف نبعه من غربه وَلَا صقره من خربه وَلَا عجم عوده وَلَا نفض تهائمه ونجوده، وَالَّذِي غره مِنْهُ أَنه عمل مُحدث لَا عمل قديم وَحسب أَن الْأَشْيَاء تنقد أَو تبهرج لِأَنَّهَا تليدة أَو طارفة، وَللَّه در من يَقُول:
رجلا فَاسْتَسْقَى فَقَالَت الْمَرْأَة اللَّبن تبغي أم المَاء فَقَالَ أَيهمَا كَانَ وَلَا عداء قَالَت أما اللَّبن فخلفك وَالْمَاء أمامك قَالَ الْمَنْع كَانَ اوجز فَنظر إِلَى صبى يبكي ويستسقي فَلَا يكترث لَهُ وَلَا يسقى فَقَالَ إِن لم يكن لكم فِي هَذَا الصَّبِي حَاجَة دفعتموه إِلَى فكفلته قَالَت ذَلِك إِلَى هانىء وهانىء زَوجهَا قَالَ أَو هانىء من الْعَدو ثمَّ قَالَ من هَذَا الشَّاب فانه لَيْسَ ببعلك قَالَت أخى قَالَ رب أَخ لَك لم تلده أمك ثمَّ نظر الى أثر يَد زَوجهَا فِي فتل الشّعْر فِي الْبناء فَعرف أَنه أعْسر فَقَالَ ثكلت الا عيسر أمه لَو يعلم الْعلم لطال غمه فذعرت الْمَرْأَة فعرضت عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشرَاب فَأبى وَقَالَ الْمبيت على الطوى حَتَّى أنال بِهِ كريم المثوى خير من إتْيَان مَا لَا يهوى ثمَّ مضى فَإِذا هُوَ بِرَجُل يَسُوق إبِله وَيَقُول
(الرجز)
(روحي إِلَى اليى فَإِن نَفسِي ... رهينة فيهم بِخَير عرس)
(حسانة المقلة ذَات أنس ... لَا يشترى الْيَوْم لَهَا بآمس)
فَهَتَفَ بِهِ يَا هانىء وَقَالَ
(الرجز)
(يَا ذَا البجاد الحلكه ... وَالزَّوْجَة المشتركه)
(عش رويدا إبلكه ... لست لمن لَيْسَ لكه)
الصفحة 4
478