كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

فيه ثلاثة أوصاف: الخلق، والملك، والتدبير؛ فهو الخالق المالك لكل شيء المدبر لجميع الأمور؛ و {العالمين}: قال العلماء: كل ما سوى الله فهو من العالَم؛ وُصفوا بذلك؛ لأنهم عَلَم على خالقهم سبحانه وتعالى؛ ففي كل شيء من المخلوقات آية تدل على الخالق: على قدرته، وحكمته، ورحمته، وعزته، وغير ذلك من معاني ربوبيته ..

الفوائد:

. ١ من فوائد الآية: إثبات الحمد الكامل لله عزّ وجلّ، وذلك من "أل" في قوله تعالى: {الحمد}؛ لأنها دالة على الاستغراق ..

. ٢ ومنها: أن الله تعالى مستحق مختص بالحمد الكامل من جميع الوجوه؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه ما يسره قال: "الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات"؛ وإذا أصابه خلاف ذلك قال: "الحمد لله على كل حال" [٥٣] ...
٣ ومنها: تقديم وصف الله بالألوهية على وصفه بالربوبية؛ وهذا إما لأن "الله" هو الاسم العَلَم الخاص به، والذي تتبعه جميع الأسماء؛ وإما لأن الذين جاءتهم الرسل ينكرون الألوهية فقط ..

. ٤ ومنها: عموم ربوبية الله تعالى لجميع العالم؛ لقوله تعالى: (العالمين .. )
عدلتم؛ وقال آخرون: أي ملتم؛ والمعنى متقارب؛ لأن العادل عن الشيء زال عنه.

قوله تعالى: {من بعد ما جاءتكم البينات}؛ {البينات} صفة لموصوف محذوف - أي الآيات البينات -؛ وسمى الله ذلك زللاً؛ لأن في الميل، والعدول عن الحق هلكة، مثل لو زلّ الإنسان، وسقط في بئر مثلاً.

قوله تعالى: {فاعلموا أن الله عزيز حكيم}: هذا جواب الشرط؛ والمراد بالعلم أن نحذر ممن له العزة.
وذكر أهل العلم أن «العزيز» له ثلاثة معانٍ: عزة قدْر؛ وعزة قهر؛ وعزة امتناع؛ فعزة القدر - أي أنه عزّ وجلّ عظيم القدر -؛ لقوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة ... } [الزمر: ٦٧] الآية؛ أما عزة القهر فمعناها الغلبة - أي أنه سبحانه وتعالى غالب لا يغلبه شيء -؛ وهذا أظهر معانيها؛ وأما عزة الامتناع فمعناها أنه يمتنع أن يناله السوء - مأخوذ من قولهم: «أرض عزاز» أي قوية صلبة لا تؤثر فيها الأقدام -؛ وأما «الحكيم» أي ذو الحكم، والحكمة.

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: الوعيد على من زلّ بعد قيام الحجة عليه؛ لقوله تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات}؛ فإن قيل: من أين يأتي الوعيد؟ قلنا: من قوله تعالى: {فاعلموا أن الله عزيز حكيم}؛ لأن من معاني «العزة» الغلبة، والقهر؛ و «الحكمة»: تنزيل الشيء في مواضعه؛ فإذا كان هناك غلبة وحكمة، فالمعنى: أنه سينزِّل بكم ما تتبين به عزته؛ لأن هذا هو مقتضى حكمته.

الصفحة 10