كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

للسموات، والأرض؛ يرون أن الحياة: أرحام تدفع، وأرض تبلع؛ وأن ربهم هو رئيسهم ..

. ٢ ومن فوائد الآية: إثبات البعث، والجزاء؛ لقوله تعالى: (مالك يوم الدين)

. ٣ ومنها: حث الإنسان على أن يعمل لذلك اليوم الذي يُدان فيه العاملون ..

القرآن

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

التفسير:

قوله تعالى: {إياك نعبد}؛ {إياك}: مفعول به مقدم؛ وعامله: {نعبد}؛ وقُدِّم على عامله لإفادة الحصر؛ فمعناه: لا نعبد إلا إياك؛ وكان منفصلاً لتعذر الوصل حينئذ؛ و {نعبد} أي نتذلل لك أكمل ذلّ؛ ولهذا تجد المؤمنين يضعون أشرف ما في أجسامهم في موطئ الأقدام ذلاً لله عزّ وجلّ: يسجد على التراب؛ تمتلئ جبهته من التراب. كل هذا ذلاً لله؛ ولو أن إنساناً قال: "أنا أعطيك الدنيا كلها واسجد لي" ما وافق المؤمن أبداً؛ لأن هذا الذل لله عزّ وجلّ وحده ..
و"العبادة" تتضمن فعل كل ما أمر الله به، وترك كل ما نهى الله عنه؛ لأن من لم يكن كذلك فليس بعابد: لو لم يفعل المأمور به لم يكن عابداً حقاً؛ ولو لم يترك المنهي عنه لم يكن
يعني: وتأتيهم الملائكة أيضاً محيطة بهم، كما قال الله تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً * وجاء ربك والملك صفاً صفاً} [الفجر: ٢١، ٢٢]؛ وفي حديث الصور الطويل الذي ساقه ابن جرير، وغيره (¬١) أن السماء تشقق؛ فتشقق السماء الدنيا بالغمام، وتنزل الملائكة، فيحيطون بأهل الأرض، ثم السماء الثانية، والثالثة، والرابعة ... ؛
كل من وراء الآخر؛ ولهذا قال تعالى: {صفاً صفاً} [الفجر: ٢٢] يعني صفاً بعد صف؛ ثم يأتي الرب عزّ وجلّ للقضاء بين عباده؛ ذلك الإتيان الذي يليق بعظمته وجلاله؛ ولا أحد يحيط علماً بكيفيته؛ لقوله تعالى: {ولا يحيطون به علماً} [طه: ١١٠]؛ وقد تقدم الكلام على الملائكة عند قوله تعالى: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} [البقرة: ١٧٧]؛ وبيَّنا أن الملائكة عالم غيبي مخلوقون من نور
---------------
(¬١) راجع تفسير الطبري ٢٤/ ٤١٨ - ٤٢٠، تفرد به إسماعيل بن رافع، وقد اختلف فيه (ذكره ابن كثير في تفسيره سورة الأنعام ٢/ ٢٣٩)؛ قال الحافظ في التقريب: "ضعيف الحفظ"؛ وقال الدارقطني وغيره: "متروك الحديث" (ميزان الاعتدال ١/ ٢٢٧)؛ وقال الذهبي: "ومن تلبيس الترمذي قال: ضعفه بعض أهل العلم، قال: وسمعت محمداً - يعني البخاري - يقول: هو ثقة مقارب الحديث" (المرجع السابق)؛ وقال البخاري في التاريخ الكبير: "محمد بن يزيد بن أبي زياد روى عنه إسماعيل بن رافع حديث الصور مرسل، ولم يصح" ١/ ٢٦٠، رقم ٨٢٩)؛ وقال ابن كثير في تفسيره (٢/ ٢٣٤، تفسير سورة الأنعام آية رقم ٧٣): "وروينا حديث الصور بطوله من طريق الحافظ أبي القاسم الطبراني في كتابه المطولات ... "؛ وقال أيضاً (٢/ ٢٣٩): "وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث على وجوه كثيرة قد أفردتها في جزء على حدة، وأما سياقه فغريب جداً، ويقال: إنه جمعه من أحاديث كثيرة، وجعلها سياقاً واحداً، فأنكر عليه بسبب ذلك".

الصفحة 13