كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

والمراد بـ {الصراط} الطريق؛ والمراد بـ "الهداية" هداية الإرشاد، وهداية التوفيق؛ فأنت بقولك: {اهدنا الصراط المستقيم} تسأل الله تعالى علماً نافعاً، وعملاً صالحاً؛ و {المستقيم} أي الذي لا اعوجاج فيه ..

الفوائد:.
١ من فوائد الآية: لجوء الإنسان إلى الله عزّ وجلّ بعد استعانته به على العبادة أن يهديه الصراط المستقيم؛ لأنه لا بد في العبادة من إخلاص؛ يدل عليه قوله تعالى: {إياك نعبد}؛ ومن استعانة يتقوى بها على العبادة؛ يدل عليه قوله تعالى: {وإياك نستعين}؛ ومن اتباع للشريعة؛ يدل عليه قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}؛ لأن {الصراط المستقيم} هو الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم

. ٢ ومن فوائد الآية: بلاغة القرآن، حيث حذف حرف الجر من {اهدنا}؛ والفائدة من ذلك: لأجل أن تتضمن طلب الهداية: التي هي هداية العلم، وهداية التوفيق؛ لأن الهداية تنقسم إلى قسمين: هداية علم، وإرشاد؛ وهداية توفيق، وعمل؛ فالأولى ليس فيها إلا مجرد الدلالة؛ والله عزّ وجلّ قد هدى بهذا المعنى جميع الناس، كما في قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس} [البقرة: ١٨٥]؛ والثانية فيها التوفيق للهدى، واتباع الشريعة، كما في قوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتقين} [البقرة: ٢] وهذه قد يحرمها بعض الناس، كما قال تعالى: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: ١٧]: {فهديناهم} أي بيّنّا لهم الحق، ودَلَلْناهم عليه؛ ولكنهم لم يوفقوا ..
نفسه؛ ولا يعارض ذلك أن الله قد يضيف الإتيان إلى أمره، مثل قوله تعالى: {أتى أمر الله} [النحل: ١]، ومثل قوله تعالى: {أو يأتي أمر ربك} [النحل: ٣٣]؛ لأننا نقول: إن هذا من أمور الغيب؛ والصفات توقيفية؛ فنتوقف فيها على ما ورد؛ فالإتيان الذي أضافه الله إلى نفسه يكون المراد به إتيانه بنفسه؛ والإتيان الذي أضافه الله إلى أمره يكون المراد به إتيان أمره؛ لأنه ليس لنا أن نقول على الله ما لا نعلم؛ بل علينا أن نتوقف فيما ورد على حسب ما ورد.
٤ - ومن فوائد الآية: إثبات الملائكة.

٥ - ومنها: إثبات عظمة الله عزّ وجلّ في قوله تعالى: {في ظلل من الغمام}؛ فـ {ظلل} نكرة تدل على أنها ظلل عظيمة، وكثيرة؛ ولهذا جاء في سورة الفرقان: {ويوم تشقق السماء بالغمام} [الفرقان: ٢٥] يعني تثور ثوراناً بهذا الغمام العظيم من كل جانب؛ كل هذا مقدمة لمجيء الجبار سبحانه وتعالى؛ وهذا يفيد عظمة الباري سبحانه وتعالى.

٦ - ومنها: أن الملائكة أجسام خلافاً لمن زعم أن الملائكة قوى الخير، وأنهم أرواح بلا أجسام؛ والرد على هذا الزعم في القرآن والسنة كثير.

٧ - ومنها: أن يوم القيامة به ينقضي كل شيء؛ فليس بعده شيء؛ إما إلى الجنة؛ وإما إلى النار؛ فلا أمل أن يستعتب الإنسان إذا كان من أهل النار ليكون من أهل الجنة؛ لكنه أتى بصيغة ما لم يسم فاعله لعظمة هذا الأمر؛ وهذا كقوله تعالى: {وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين} [هود: ٤٤].

٨ - ومنها: أن الأمور كلها ترجع إلى الله وحده؛ لقوله تعالى:

الصفحة 16