كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

يقرؤون بها حتى جمعها عثمان رضي الله عنه على حرف واحد حين تنازع الناس في هذه الأحرف، فخاف رضي الله عنه أن يشتد الخلاف، فجمعها في حرف واحد. وهو حرف قريش؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن بُعث منهم؛ ونُسيَت الأحرف الأخرى؛ فإذا كان عمر رضي الله عنه فعل ما فعل بصحابي، فما بالك بعامي يسمعك تقرأ غير قراءة المصحف المعروف عنده! والحمد لله: ما دام العلماء متفقين على أنه لا يجب أن يقرأ الإنسان بكل قراءة، وأنه لو اقتصر على واحدة من القراءات فلا بأس؛ فدع الفتنة، وأسبابها ..

الفوائد:.
١ من فوائد الآيتين: ذكر التفصيل بعد الإجمال؛ لقوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}: وهذا مجمل؛ (صراط الذين أنعمت عليهم): وهذا مفصل؛ لأن الإجمال، ثم التفصيل فيه فائدة: فإن النفس إذا جاء المجمل تترقب، وتتشوف للتفصيل، والبيان؛ فإذا جاء التفصيل ورد على نفس مستعدة لقبوله متشوفة إليه؛ ثم فيه فائدة ثانية هنا: وهو بيان أن الذين أنعم الله عليهم على الصراط المستقيم ..

. ٢ ومنها: إسناد النعمة إلى الله تعالى وحده في هداية الذين أنعم عليهم؛ لأنها فضل محض من الله ..

. ٣ ومنها: انقسام الناس إلى ثلاثة أقسام: قسم أنعم الله عليهم؛ وقسم مغضوب عليهم؛ وقسم ضالون؛ وقد سبق بيان هذه الأقسام ..
وقوله تعالى: {سل}: أي سؤال توبيخ، وتبكيت؛ لإقامة الحجة عليهم ببيان نعم الله التي كان حقه عليهم أن يشكروها، ولكن بدلوها كفراً؛ وإلا فالظاهر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم بما آتاهم الله من الآيات البينات؛ و {بني إسرائيل} أي بني يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؛ والمراد من ينتمي إليه؛ لا أبناء صلبه خاصة.

قوله تعالى: {كم آتيناهم من آية بينة}؛ {كم} هذه تكثيرية - أي أعطيناهم آيات كثيرة -؛ والإيتاء هنا يشمل الإيتاء الشرعي، والإيتاء القدري الكوني؛ لأنهم أوتوا آيات بينات شرعية جاءت بها التوراة؛ وأوتوا آيات بينات كونية، كالعصا، واليد؛ و «الآية» بمعنى العلامة على الشيء؛ و {بينة} أي ظاهرة في كونها آية.
قوله تعالى: {ومن يبدل نعمة الله} أي ومن يجعل بدلها؛ والمفعول الثاني محذوف؛ تقديره: كفراً، كما يدل لذلك قوله تعالى في سورة إبراهيم: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً} [إبراهيم: ٢٨].

قوله تعالى: {فإن الله شديد العقاب} أي قوي الجزاء بالعقوبة؛ وسمي الجزاء عقوبة، وعقاباً؛ لأنه يقع عقب الذنب مؤاخذة به.

وقوله تعالى: {شديد العقاب} هذا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، مثل أن تقول: حسن الوجه - يعني: ذو الوجه الحسن -؛ فهي صفة مشبهة.

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: بيان كثرة ما أعطاه الله بني إسرائيل من الآيات البينة الدالة على صدق رسله؛ لقوله تعالى: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة}.

الصفحة 19