كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

يستطيع أن يأتي بمثله؛ ولكن مع ذلك يجحدون، وينكرون ..

وعلى هذا فالوجه الأول هو الوجه القوي الذي لا انفصام عنه. وهو أن الله تعالى وصف القرآن من حيث هو قرآن بقطع النظر عمن يُتلى عليهم هذا القرآن: أيرتابون، أم لا يرتابون فيه ..
وقوله تعالى: {لا ريب فيه هدًى للمتقين}: وقف بعض القراء على قوله تعالى: {لا ريب}؛ وعليه فيكون خبر {لا} محذوفاً؛ والتقدير: لا ريب في ذلك؛ ويكون الجار والمجرور خبراً مقدماً، و {هدًى} مبتدأً مؤخراً؛ ووقف بعضهم على قوله تعالى: {فيه}؛ وعليه فيكون الجار والمجرور خبر {لا}؛ ويكون قوله تعالى: {هدًى} خبر مبتدأ محذوف؛ والتقدير: هو هدًى للمتقين ..

و"التقوى": اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه ..

الفوائد:

. ١ من فوائد الآية: بيان علوّ القرآن؛ لقوله تعالى: {ذلك}؛ فالإشارة بالبعد تفيد علوّ مرتبته؛ وإذا كان القرآن عالي المكانة والمنزلة، فلا بد أن يعود ذلك على المتمسك به بالعلوّ والرفعة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {ليظهره على الدين كله} [التوبة: ٣٣]؛ وكذلك ما وُصِف به القرآن من الكرم، والمدح، والعظمة فهو وصف أيضاً لمن تمسك به ..

. ٢ ومنها: رفعة القرآن من جهة أنه قرآن مكتوب معتنىً به؛ لقوله تعالى: {ذلك الكتاب}؛ وقد بيّنّا أنه مكتوب في ثلاثة مواضع: اللوح المحفوظ، والصحف التي بأيدي الملائكة، والمصاحف التي بأيدي الناس ..
قوله تعالى: {وأنزل معهم الكتاب}؛ المعية هنا للمصاحبة؛ والمعية كلما أطلقت فهي للمصاحبة؛ لكنها في كل موضع بحسبه؛ و {الكتاب} هنا مفرد يراد به الجنس؛ فيعم كل كتاب؛ إذ لكل رسول كتاب؛ وقد زعم بعض المفسرين أن قوله تعالى: {أنزل معهم} أي مع بعضهم؛ وقال: ليس كل الرسل معهم كتاب؛ ولكن هذا خلاف ظاهر القرآن؛ وقد قال الله تعالى في سورة الحديد: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان} [الحديد: ٢٥]؛ فظاهر الآية أن مع كل رسول كتاباً؛ وهذا هو مقتضى الحال حتى يكون هذا الكتاب الذي معه يبلغه إلى الناس؛ ولا يرد على هذا أن بعض الشرائع تتفق في مشروعاتها - وحتى في منهاجها -، ولا يكون فيها إلا اختلاف يسير، كما في شريعة التوراة والإنجيل؛ فإن هذا لا يضر؛ المهم أن كل رسول في ظاهر القرآن معه كتاب؛ و «كتاب» بمعنى مكتوب؛ فمنه ما نعلم أن الله كتبه؛ ومنه ما لا نعلم أن الله كتبه لكن تكلم به.
قوله تعالى: {بالحق} الباء للمصاحبة متعلقة بـ {أنزل} أي ما جاءت به الكتب فهو حق؛ ويحتمل أن المعنى أن الكتب نفسها حق من عند الله؛ وليست مفتراة عليه؛ وكلا المعنيين صحيح؛ فهي حق من عند الله؛ وما جاءت به من الشرائع، والأخبار فهو حق؛ و «الحق» أي الثابت النافع؛ وضده الباطل الذي يزول، ولا ينفع؛ والحق الثابت في الكتب المنزلة من عند الله: بالنسبة للأخبار هو الصدق المطابق للواقع؛ وبالنسبة للأحكام فإنه العدل المصلح للخلق في معاشهم، ومعادهم، كما

الصفحة 28