كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

٣ ومن فوائد الآية: أن هذا القرآن نزل من عند الله يقيناً؛ لقوله تعالى: (لا ريب فيه)

. ٤ ومنها: أن المهتدي بهذا القرآن هم المتقون؛ فكل من كان أتقى لله كان أقوى اهتداءً بالقرآن الكريم؛ لأنه عُلِّق الهدى بوصف؛ والحكم إذا عُلق بوصف كانت قوة الحكم بحسب ذلك الوصف المعلَّق عليه؛ لأن الوصف عبارة عن علة؛ وكلما قويت العلة قوي المعلول ..

. ٥ ومن فوائد الآية: فضيلة التقوى، وأنها من أسباب الاهتداء بالقرآن، والاهتداء بالقرآن يشمل الهداية العلمية، والهداية العملية؛ أي هداية الإرشاد، والتوفيق ..
فإن قيل: ما الجمع بين قوله تعالى: {هدًى للمتقين}، وقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس وبينات من الهدى والفرقان}؟ (البقرة: ١٨٥).

فالجواب: أن الهدى نوعان: عام، وخاص؛ أما العام فهو الشامل لجميع الناس وهو هداية العلم، والإرشاد؛ ومثاله قوله تعالى عن القرآن: {هدًى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان} [البقرة: ١٨٥]، وقوله تعالى عن ثمود: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} [فصلت: ١٧]؛ وأما الخاص فهو هداية التوفيق: أي أن يوفق الله المرء للعمل بما علم؛ مثاله: قوله تعالى {هدًى للمتقين}، وقوله تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدًى وشفاء} [فصلت: ٤٤] ..
قال الله - تبارك وتعالى -: {وتمَّت كلمة ربك صدقاً وعدلًا} [الأنعام: ١١٥].

قوله تعالى: {ليحكم} الضمير يعود على الكتاب؛ أو على النبيين؛ أو على الله؛ يعني: ليحكم هو - أي الله -؛ أو ليحكم الكتاب باعتبار أنه وسيلة الحكم؛ أو ليحكم النبي باعتبار أنه الذي معه الكتاب؛ ولكن هنا إشكال: وهو أن {ليحكم} مفرد؛ و {النبيين} جمع؛ لكن قالوا: لما كان النبيون جمعاً؛ والجمع له أفراد، صار {ليحكم} أي كل فرد منهم.

قوله تعالى: {بين الناس فيما اختلفوا فيه}؛ فبعضهم قال: الحق كذا؛ وبعضهم قال: الحق كذا؛ خصمان لا بد بينهما من حَكَم؛ وهو ما جاءت به الرسل؛ ولهذا قال تعالى: {ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}؛ و «ما» اسم موصول؛ واسم الموصول من ألفاظ العموم؛ فيشمل كل ما اختلف فيه الناس من الدقيق والجليل، في مسائل الدين والدنيا.
قوله تعالى: {وما اختلف فيه} أي في الكتاب؛ {إلا الذين أوتوه}، {الذين} فاعل {اختلف}؛ لأن الاستثناء مفرغ. {اوتوه} أي أعطوه؛ والمراد بهم هنا الأمم؛ {من بعد ما جاءتهم} متعلقة بقوله تعالى: {وما اختلف} أي وما اختلف فيه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً إلا الذين أوتوه؛ أي من بعد ما جاءت هذه الأمم الذين اختلفوا؛ {البينات} أي الآيات البينات الدالة على صدق الرسل؛ وهذا كقوله تعالى: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} [البينة: ٤].

الصفحة 29