كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

قوله تعالى: {وأولئك هم المفلحون}: الجملة مبتدأ وخبر، بينهما ضمير الفصل الدالّ على التوكيد، والحصر؛ وأعيد اسم الإشارة تأكيداً لما يفيده اسم الإشارة الأول من علوّ المرتبة، والعناية التامة بهم كأنهم حضروا بين يدي المتكلم؛ وفيه الفصل بين الغاية، والوسيلة؛ فالغاية: الفلاح؛ ووسيلته: ما سبق؛ و "الفلاح" هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب؛ فهي كلمة جامعة لانتفاء جميع الشرور، وحصول جميع الخير.

تنبيه:

من المعروف عند أهل العلم أن العطف يقتضي المغايرة. أي أن المعطوف غير المعطوف عليه.؛ وقد ذكرنا أن هذه المعطوفات أوصاف للمتقين وهو موصوف واحد؛ فكيف تكون المغايرة؟
والجواب: أن التغاير يكون في الذوات كما لو قلت: "قدم زيد، وعمرو"؛ ويكون في الصفات كما في هذه الآية، وكما في قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدَّر فهدى * والذي أخرج المرعى} [الأعلى: ١. ٤]؛ قالوا: والفائدة من ذلك أن هذا يقتضي تقرير الوصف الأول. كأنه قال: "أتصف بهذا، وزيادة ...

الفوائد:.

. ١ من فوائد الآية: أن من أوصاف المتقين الإيمان بالغيب؛ لأن الإيمان بالمُشاهَد المحسوس ليس بإيمان؛ لأن المحسوس لا يمكن إنكاره ..

. ٢ ومنها: أن من أوصاف المتقين إقامة الصلاة؛ وهو عام لفرضها، ونفلها ..
٢ - ومنها: الحكمة في إرسال الرسل؛ وهي التبشير، والإنذار؛ لقوله تعالى: {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين}.

٣ - ومنها: أن النبوة لا تنال بالكسب؛ وإنما هي فضل من الله؛ لقوله تعالى: {فبعث الله النبيين}.
٤ - ومنها: أن من يوصف بالتبشير إنما هم الرسل، وأتباعهم؛ وأما ما تسمى به دعاة النصرانية بكونهم مبشرين فهم بذلك كاذبون؛ إلا أن يراد أنهم مبشرون بالعذاب الأليم، كما قال تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران: ٢١]؛ وأحق وصف يوصف به هؤلاء الدعاة أن يوصفوا بالمضللين، أو المنَصِّرين؛ وما نظير ذلك إلا نظير من اغتر بتسمية النصارى بالمسيحيين؛ لأن لازم ذلك أنك أقررت أنهم يتبعون المسيح، كما إذا قلت: «فلان تميمي»؛ إذاً هو من بني تميم؛ والمسيح ابن مريم يتبرأ من دينهم الذي هم عليه الآن كما قال تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ... } [المائدة: ١١٦] إلى قوله تعالى: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ... } [المائدة: ١١٧] الآيتين؛ ولأنهم ردوا بشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكفروا بها؛ فكيف تصح نسبتهم إليه؟!! والحاصل أنه ينبغي للمؤمن أن يكون حذراً يقظاً لا يغتر بخداع المخادعين، فيجعل لهم من الأسماء، والألقاب ما لا يستحقون.

٥ - ومنها: أن الشرائع التي جاءت بها الرسل تنقسم إلى أوامر، ونواهي؛ لقوله تعالى: {مبشرين ومنذرين}؛ لأن الإنذار:

الصفحة 32