كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

وقوله تعالى: {لا يؤمنون}: هذا محط الفائدة في نفي التساوي. أي إنهم أنذرتهم أم لم تنذرهم. لا يؤمنون؛ وتعليل ذلك قوله تعالى: (ختم الله على قلوبهم)
و"الختم": الطبع؛ و"الطبع" هو أن الإنسان إذا أغلق شيئاً ختم عليه من أجل ألا يخرج منه شيء، ولا يدخل إليه شيء؛ وهكذا فهؤلاء. والعياذ بالله. قلوبهم مختوم عليها لا يصدر منها خير، ولا يصل إليها خير ..

. {٧} قوله تعالى: {وعلى سمعهم} أي وختم على سمعهم، فهي معطوفة على قوله تعالى: {على قلوبهم}؛ والختم على الأذن: أن لا تسمع خيراً تنتفع به ..

قوله تعالى: {وعلى أبصارهم غشاوة}: الواو للاستئناف؛ فالجملة مستقلة عما قبلها؛ فهي مبتدأ، وخبر مقدم؛ ويحتمل أن تكون الواو عاطفة، لكن عطف جملة على جملة؛ و {غشاوة} أي غطاء يحول بينها وبين النظر إلى الحق؛ ولو نظرت لم تنتفع ..

قوله تعالى: {ولهم} أي لهؤلاء الكفار الذين بقوا على كفرهم {عذاب عظيم}: وهو عذاب النار؛ وعظمه الله تعالى؛ لأنه لا يوجد أشد من عذاب النار ..

انتهى الكلام على الصنف الثاني من أصناف الخلق، وهم الكفار الخُلَّص الصرحاء ..

الفوائد:

. ١ من فوائد الآيتين: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم حين يردُّه الكفار، ولا يَقبلون دعوته ..

. ٢ ومنها: أن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن
٢٩ - ومنها: الإشارة إلى الطرق الثلاثة التي ذكرها الله تعالى في سورة الفاتحة؛ وهي طريق الذين أنعم الله عليهم؛ وطريق المغضوب عليهم؛ وطريق الضالين؛ الذين أنعم الله عليهم: هم الرسل، وأتباعهم؛ والمغضوب عليهم: اليهود، وأمثالهم؛ والضالون: النصارى، وأمثالهم؛ وهذا بالنسبة للنصارى قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أما لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذبوه صاروا من المغضوب عليهم كاليهود بالنسبة لدين المسيح؛ لأن اليهود كانوا مغضوباً عليهم، حيث جاءهم عيسى فكذبوه بعد أن علموا الحق؛ وبعد ... ما بعث عيسى واتبعه النصارى وطال الأمد، ابتدعوا ما ابتدعوا من الدين، فضلُّوا؛ فصاروا ضالين؛ لكن لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم كذبوه، وأنكروه؛ فصاروا من المغضوب عليهم؛ لأنهم علموا الحق، وخالفوه.

القرآن
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: ٢١٤)

التفسير:
{٢١٤} قوله تعالى: {أم حسبتم}؛ {أم} من حروف العطف؛ وهي هنا منقطعة بمعنى «بل»؛ يقدر بعده همزة الاستفهام؛ أي: بل أحسبتم؛ فهي إذاً للإضراب الانتقالي؛ وهو الانتقال من كلام إلى آخر؛ و {حسبتم} بمعنى ظننتم؛ وعلى هذا

الصفحة 37