كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

مهما كان المنذِر والداعي؛ لأنه لا يستفيد. قد ختم الله على قلبه.، كما قال تعالى: {إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: ٩٦، ٩٧]، وقال تعالى: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار} [الزمر: ١٩] يعني هؤلاء لهم النار؛ انتهى أمرهم، ولا يمكن أن تنقذهم ..

. ٣ ومنها: أن الإنسان إذا كان لا يشعر بالخوف عند الموعظة، ولا بالإقبال على الله تعالى فإن فيه شبهاً من الكفار الذين لا يتعظون بالمواعظ، ولا يؤمنون عند الدعوة إلى الله ...
٤ ومنها: أن محل الوعي القلوب؛ لقوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم} يعني لا يصل إليها الخير ..

. ٥ ومنها: أن طرق الهدى إما بالسمع؛ وإما بالبصر: لأن الهدى قد يكون بالسمع، وقد يكون بالبصر؛ بالسمع فيما يقال؛ وبالبصر فيما يشاهد؛ وهكذا آيات الله عزّ وجلّ تكون مقروءة مسموعة؛ وتكون بيّنة مشهودة ..

. ٦ ومنها: وعيد هؤلاء الكفار بالعذاب العظيم ..

مسألة:.

إذا قال قائل: هل هذا الختم له سبب من عند أنفسهم، أو مجرد ابتلاء وامتحان من الله عزّ وجلّ؟

فالجواب: أن له سبباً؛ كما قال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [الصف: ٥]، وقال تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية (المائدة: ١٣)
فتنصب المفعولين؛ قال بعض النحويين: إن {أنْ}، وما دخلت عليه تسد مسد المفعولين؛ وقال آخرون: بل إن {أنْ}، وما دخلت عليه تسد مسد المفعول الأول؛ ويكون المفعول الثاني محذوفاً دل عليه السياق؛ فإذا قلنا بالأول فالأمر واضح لا يحتاج إلى تقدير شيء آخر؛ وإذا قلنا بالثاني يكون التقدير: أم حسبتم دخولكم الجنة حاصلاً ...

والخطاب في قوله تعالى: {أم حسبتم} يعود على كل من يتوجه إليه الخطاب: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى الصحابة، وإلى من بعدهم.

قوله تعالى: {أن تدخلوا الجنة}؛ «الجنة» في اللغة: البستان كثير الأشجار؛ وفي الشرع: هي الدار التي أعدها الله للمتقين فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

قوله تعالى: {ولما يأتكم}؛ {لما} حرف نفي، وجزم، وقلب؛ والفرق بينها وبين «لم»: أن «لما» للنفي مع توقع وقوع المنفي؛ و «لم» للنفي دون ترقب وقوعه؛ مثاله: إذا قلت: «لم يقم زيد» فقد نفيت قيامه من غير ترقب لوقوعه، ولو قلت: «لما يقم زيد» فقد نفيت قيامه مع ترقب وقوعه؛ ومنه قوله تعالى: {بل لما يذوقوا عذاب} [ص~: ٨].
وقوله تعالى: {مثل الذين خلوا من قبلكم} أي صفة ما وقع لهم؛ و «المثل» يكون بمعنى الصفة، مثل قوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون} [الرعد: ٣٥] أي صفتها كذا، وكذا؛ ويكون بمعنى الشبه، كقوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً}

الصفحة 38