كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

القرآن

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (البقرة: ٨)

التفسير:

. {٨} قوله تعالى: {ومن الناس}: {من} للتبعيض؛ أي: وبعض الناس؛ ولم يصفهم الله تعالى بوصف. لا بإيمان، ولا بكفر.؛ لأنهم كما وصفهم الله تعالى في سورة النساء: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: ١٤٣]؛ و {الناس} أصلها الأناس؛ لكن لكثرة الاستعمال حذفت الهمزة تخفيفاً، كما قالوا في "خير"، و"شر": إن أصلهما: "أخير"، و"أشر"؛ لكن حذفت الهمزة تخفيفاً لكثرة الاستعمال؛ وسُموا أناساً: من الأُنس؛ لأن بعضهم يأنس بعضاً، ويركن إليه؛ ولهذا يقولون: "الإنسان مدني بالطبع"؛ بمعنى: أنه يحب المدنية. يعني الاجتماع، وعدم التفرق ...

قوله تعالى: {من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر} أي يقول بلسانه. بدليل قوله تعالى: {وما هم بمؤمنين} أي بقلوبهم.؛ وسبق معنى الإيمان بالله، وباليوم الآخر ..

الفوائد:.
١ من فوائد الآية: بلاغة القرآن؛ بل فصاحة القرآن في التقسيم؛ لأن الله سبحانه وتعالى ابتدأ هذه السورة بالمؤمنين الخلَّص، ثم الكفار الخلَّص، ثم بالمنافقين؛ وذلك؛ لأن التقسيم مما يزيد الإنسان معرفة، وفهماً ..

. ٢. ومنها: أن القول باللسان لا ينفع الإنسان؛ لقوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)
[البقرة: ١٧] أي شبههم كشبه الذي استوقد ناراً؛ و {خلوا} بمعنى مضوا؛ فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى: {من قبلكم} إذا كانت {خلوا} بمعنى مضوا؟ نقول: هذا من باب التوكيد؛ والتوكيد قد يأتي بالمعنى مع اختلاف اللفظ، كما في قوله تعالى: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} [البقرة: ٦٠]؛ فإن الإفساد هو العثو؛ ومع ذلك جاء حالاً من الواو؛ فهو مؤكد لعامله.

ولما كانت {مثل} مبهمة بيَّنها الله تعالى بقوله تعالى: {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا}؛ و «المس» هو مباشرة الشيء؛ تقول: مسسته بيدي، ومس ثوبه الأرض؛ فـ {مستهم} يعني أصابتهم إصابة مباشرة؛ وهذه الجملة استئنافية لبيان المثل الذي ذكر في قوله تعالى: {مثل الذين خلوا من قبلكم}.

وقوله تعالى: {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا} هذه ثلاثة أشياء؛ {البأساء}: قالوا: إنها شدة الفقر مأخوذة من البؤس؛ وهو الفقر الشديد؛ و {الضراء}: قالوا: إنها المرض، والمصائب البدنية؛ و {زلزلوا}: «الزلزلة» هنا ليست زلزلة الأرض؛ لكنها زلزلة القلوب بالمخاوف، والقلق، والفتن العظيمة، والشبهات، والشهوات؛ فتكون الإصابات هنا في ثلاثة مواضع: في المال؛ والبدن؛ والنفس.

قوله تعالى: {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله}؛ في {يقول} قراءتان: النصب، والرفع؛ أما على قراءة الرفع فعلى إلغاء {حتى}؛ وأما على قراءة النصب فعلى إعمالها؛ وهي لا تعمل إلا في المستقبل؛ فإن قيل: ما وجه نصبها وهي حكاية عن شيء مضى؟

الصفحة 39