كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

بهؤلاء المؤمنين السذج. على زعمهم. ويرون أن المؤمنين ليسوا بشيء، وأن العِلْية من القوم هم الكفار؛ ولهذا جاء التعبير بـ {إنا معكم} [البقرة: ١٤] الذي يفيد المصاحبة، والملازمة ..

فهذا مرض زادهم الله به مرضاً إلى مرضهم حتى بلغوا إلى موت القلوب، وعدم إحساسها، وشعورها ..

قوله تعالى في مجازاتهم: {ولهم عذاب} أي عقوبة؛ {أليم} أي مؤلم؛ فهو شديد، وعظيم، وكثير؛ لأن الأليم قد يكون مؤلماً لقوته، وشدته: فضربة واحدة بقوة تؤلم الإنسان؛ وقد يكون مؤلماً لكثرته: فقد يكون ضرباً خفيفاً؛ ولكن إذا كثر، وتوالى آلَم؛ وقد اجتمع في هؤلاء المنافقين الأمران؛ لأنهم في الدرك الأسفل من النار. وهذا ألم حسي.؛ وقال تعالى في أهل النار: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} [السجدة: ٢٠]، وهذا ألم قلبي يحصل بتوبيخهم ..
قوله تعالى: {بما كانوا يكذبون}: الباء للسببية. أي بسبب كذبهم.، أو تكذيبهم؛ و "ما" مصدرية تؤول وما بعدها بمصدر؛ فيكون التقدير: بكونهم كاذبين؛ أو: بكونهم مكذبين؛ لأن في الآية قراءتين؛ الأولى: بفتح الياء، وسكون الكاف، وكسر الذال مخففة؛ ومعناها: يَكْذِبون بقولهم: آمنا بالله، وباليوم الآخر. وما هم بمؤمنين.؛ والقراءة الثانية: بضم الياء، وفتح الكاف، وكسر الذال مشددة؛ ومعناها: يُكَذِّبون الله، ورسوله؛ وقد اجتمع الوصفان في المنافقين؛ فهم كاذبون مكذبون ..
القرآن
(يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة: ٢١٥)

التفسير:

{٢١٥} قوله تعالى: {يسألونك} أي الصحابة رضي الله عنهم؛ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {ماذا ينفقون}؛ {ما} اسم استفهام مبتدأ؛ و {ذا} اسم موصول خبره؛ وجملة: {ينفقون} صلة الموصول؛ والعائد محذوف؛ والتقدير: ماذا ينفقونه؛ وهذا إذا لم تُلْغَ {ذا}؛ فإذا ألغيت صار الإعراب كالتالي: {ماذا} اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول مقدم لقوله تعالى: {ينفقون}؛ و {ينفقون} فعل مضارع؛ والفاعل الواو؛ والمفعول ما سبق؛ والمعنى لا يختلف على الإعرابين؛ والسؤال هنا عن المنفَق؛ لا على المنفق عليه؛ أي يسألونك ماذا ينفقون من أموالهم جنساً، وقدراً، وكيفاً.

قوله تعالى: {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين}؛ {ما} شرطية؛ فعل الشرط: {أنفقتم}؛ وجوابه؛ {فللوالدين}؛ قد يبدو للإنسان في أول وهلة أن الله إنما أجابهم عن محل الإنفاق - لا عن {ماذا ينفقون} -؛ لكن من تأمل الآية تبين له أن الله أجابهم عما ينفقون؛ وعما ينفقون فيه؛ لقوله تعالى: {ما أنفقتم من خير}؛ ففي هذا بيان ما ينفقون؛ وفي قوله تعالى: {فللوالدين ... } بيان ما ينفقون فيه.
وقوله تعالى: {فللوالدين} أي الأب، والأم - وإن علوا -؛

الصفحة 43