كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

لا يعذب أحداً إلا بذنب.؛ لقوله تعالى:

(بما كانوا يكذبون)

. ٦ ومنها: أن هؤلاء المنافقين جمعوا بين الكذب، والتكذيب؛ وهذا شر الأحوال ..

. ٧ ومنها: ذم الكذب، وأنه سبب للعقوبة؛ فإن الكذب من أقبح الخصال؛ وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكذب من خصال المنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب ... " (¬١) الحديث؛ والكذب مذموم شرعاً، ومذموم عادة، ومذموم فطرة أيضاً ..

مسألة: -

إن قيل: كيف يكون خداعهم لله وهو يعلم ما في قلوبهم؟

فالجواب: أنهم إذا أظهروا إسلامهم فكأنما خادعوا الله؛ لأنهم حينئذ تُجرى عليهم أحكام الإسلام، فيلوذون بحكم الله. تبارك وتعالى. حيث عصموا دماءهم وأموالهم بذلك ..

القرآن

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (البقرة: ١١)

(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (البقرة: ١٢)

التفسير:.
{١١} قوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في
---------------
(¬١) أخرجه البخاري ص ٥، كتاب الإيمان، باب ٢٤: علامات المنافق، حديث رقم ٣٣؛ وأخرجه مسلم ص ٦٩٠، كتاب الإيمان، باب ٢٥: خصال المنافق، حديث رقم ٢١١ [١٠٧] ٥٩.
ديارهم وأموالهم} [الحشر: ٨] يشمل المساكين؛ وفي قوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} [النور: ٣٢] يشمل المساكين؛ وفي قوله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة: ٨٩] يدخل فيه الفقير؛ وكذلك هنا؛ وفي قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} [التوبة: ٦٠] ذكر الصنفين جميعاً.

قوله تعالى: {وابن السبيل} هو المسافر الذي انقطع به السفر؛ والسبيل هو الطريق؛ وسمي ابناً للسبيل؛ لأنه ملازم له - أي للسبيل -؛ وكل ما لازم شيئاً فهو ابن له، كما يقال: «ابن الماء» لطير الماء؛ لأنه ملازم له؛ وإنما ذكر الله ابن السبيل؛ لأنه غريب في مكانه: قد يحتاج ولا يُعلَم عن حاجته.

قوله تعالى: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} هذه الجملة شاملة لكل خير: هم سألوا ماذا ينفقون من أجل الخير؛ فعمم الله؛ والجملة شرطية: فعل الشرط فيها: {تفعلوا}؛ وجوابه جملة: {فإن الله به عليم}؛ والغرض منها بيان إحاطة الله علماً بكل ما يفعلونه من خير، فيجازيهم عليه.

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال عن العلم؛ وقد وقع سؤالهم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في القرآن أكثر من اثنتي عشرة مرة.
٢ - ومنها: أن من حسن الإجابة أن يزيد المسؤول على ما يقتضيه السؤال إذا دعت الحاجة إليه؛ فإنهم سألوا عما ينفقون، وكان الجواب عما ينفقون، وفيما ينفقون؛ ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم

الصفحة 45