كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

الأرض}: القائل هنا مبهم للعموم. أي ليعم أيَّ قائل كان؛ و "الإفساد في الأرض" هو أن يسعى الإنسان فيها بالمعاصي. كما فسره بذلك السلف؛ لقوله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} [الروم: ٤١]

وقوله تعالى: {في الأرض}: المراد الأرض نفسها؛ أو أهلها؛ أو كلاهما. وهو الأولى؛ أما إفساد الأرض نفسها: فإن المعاصي سبب للقحط، ونزع البركات، وحلول الآفات في الثمار، وغيرها، كما قال تعالى عن آل فرعون لما عصوا رسوله موسى عليه السلام: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون} [الأعراف: ١٣٠]، فهذا فساد في الأرض ..

وأما الفساد في أهلها: فإن هؤلاء المنافقين يأتوا إلى اليهود، ويقولون لهم: {لئن أخرجتم لنخرجنَّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم} [الحشر: ١١]: فيزدادوا استعداءً للرسول صلى الله عليه وسلم ومحاربة له؛ كذلك أيضاً من فسادهم في أهل الأرض: أنهم يعيشون بين المسلمين، ويأخذون أسرارهم، ويفشونها إلى أعدائهم؛ ومن فسادهم في أهل الأرض: أنهم يفتحون للناس باب الخيانة والتَقِيَّة، بحيث لا يكون الإنسان صريحاً واضحاً، وهذا من أخطر ما يكون في المجتمع ..

قوله تعالى: {قالوا إنما نحن مصلحون}؛ {إنما}: أداة حصر؛ و {نحن}: مبتدأ؛ و {مصلحون}: خبر؛ والجملة اسمية؛ والجملة الاسمية تفيد الثبوت، والاستمرار؛ فكأنهم يقولون: ما
سئل عن الوضوء بماء البحر فقال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» (¬١).

٣ - ومنها: فضل الإنفاق على الوالدين، والأقربين؛ وأنه مقدم على الفقراء، والمساكين؛ لأن الله بدأ بهم؛ ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم.

٤ - ومنها: أن لليتامى حقاً في الإنفاق - ولو كانوا أغنياء -؛ لأنه خصهم بالذكر، ثم ذكر بعدهم المساكين؛ فإن كانوا يتامى، ومساكين اجتمع فيهم استحقاقان: اليتم، والمسكنة؛ وإذا كانوا أقارب، ويتامى، ومساكين اجتمع فيهم ثلاثة استحقاقات؛ وإذا كانوا مع ذلك أبناء سبيل اجتمع فيهم أربعة استحقاقات.

٥ - ومنها: عموم علم الله؛ لقوله تعالى: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم}.

٦ - ومنها: أن كل فعل خير سواء كان إنفاقاً مالياً، أو عملاً بدنياً، أو تعليم علم، أو جهاداً في سبيل الله، أو غير ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يعلمه، وسيجازي عليه؛ لأن {من خير} نكرة في سياق الشرط؛ فتكون للعموم.
٧ - ومنها: أنه ينبغي للإنسان ألا يحقر من المعروف شيئاً؛
---------------
(¬١) أخرجه أحمد ٢/ ٣٦١، حديث رقم ٨٧٢١، وأخرجه أبو داود ص ١٢٢٨، كتاب الطهارة، باب ٤١، الوضوء بما البحر، حديث رقم ٨٣، وأخرجه الترمذي ص ١٦٣٨، كتاب الطهارة، باب ٥٢: ما جاء في ماء البحر أنه طهور، حديث رقم ٦٩، وأخرجه النسائي ص ٢١٠٨، كتاب المياه، باب ٤: الوضوء بماء البحر، حديث رقم ٣٣٣، وأخرجه ابن ماجة ص ٢٥٠٠، كتاب الطهارة وسننها، باب ٣٨: الوضوء بما البحر، حديث رقم ٣٨٦؛ وقال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح ١/ ٣٣.

الصفحة 46