كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

حالنا إلا الإصلاح؛ يعني: أنه ليس فيهم إفساد مطلقاً ..

ومن توفيق الله أنه لم يلهمهم، فيقولوا: إنما نحن المصلحون؛ فلو أنهم قالوا: "نحن المصلحون" كان مقتضاه أن لا مصلح غيرهم؛ لكنهم قالوا: {إنما نحن مصلحون} أي ما حالنا إلا إصلاح؛ ولم يدَّعوا أنهم المصلحون وحدهم ...
{١٢} قوله تعالى: {ألا إنهم هم المفسدون}؛ {ألا}: أداة تفيد التنبيه، والتأكيد؛ و {إنهم}: توكيد أيضاً؛ و {هم}: ضمير فصل يفيد التوكيد أيضاً؛ فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: {ألا}، و "إن"، و {هم} وهذا من أبلغ صيغ التوكيد؛ وأتى بـ "أل" الدالة على حقيقة الإفساد، وأنهم هم المفسدون حقاً؛ ووجه حصر الإفساد فيهم أن {هم} ضمير فصل يفيد الحصر. أي هم لا غيرهم المفسدون؛ وهذا كقوله تعالى: {هم العدو فاحذرهم} [المنافقون: ٤] أي هم لا غيرهم؛ فلا عداء أبلغ من عداء المنافقين للمؤمنين؛ ولا فساد أعظم من فساد المنافقين في الأرض ..

قوله تعالى: {ولكن لا يشعرون} أي لا يشعرون أنهم مفسدون؛ لأن الفساد أمر حسي يدرك بالشعور والإحساس؛ فلبلادتهم وعدم فهمهم للأمور، لا يشعرون بأنهم هم المفسدون دون غيرهم ..

الفوائد:

. ١ من فوائد الآيتين: أن النفاق الذي هو إظهار الإسلام، وإبطان الكفر من الفساد في الأرض؛ لقوله تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض}؛ والنفاق من أعظم الفساد في الأرض ..
لقوله تعالى: {وما تفعلوا من خير}؛ ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» (¬١).

مسألة:
هل يعطى ابن السبيل إذا سأل، أو يعطى وإن لم يسأل؟ هذا على أوجه:

١ - أن تعلم أنه لا يحتاج، كما لو كان غنياً تعرف أنه غني، ومر بالبلد عابراً؛ فهذا لا حاجة إلى أن تعطيه؛ حتى لو أعطيته لرأى في ذلك نقيصة له.

٢ - أن يغلب على ظنك أنه محتاج؛ ولكنه متعفف يستحيي أن يسأل؛ فالأولى إعطاؤه - وإن لم يسأل -؛ بل قد يجب.

٣ - أن تشك في أمره هل يحتاج أم لا؛ فأعرض عليه الإيتاء؛ ثم اعمل بما يقتضيه الحال.

القرآن
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: ٢١٦)

التفسير:

{٢١٦} قوله تعالى: {كتب عليكم القتال} أي فرض؛ فـ «الكتْب» هنا بمعنى الفرْض، كما في قوله تعالى: {كتب عليكم
---------------
(¬١) سبق تخريجه ١/ ٣٦٥.

الصفحة 47