كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

٢ ومنها: أن من أعظم البلوى أن يُزَيَّن للإنسان الفساد حتى يَرى أنه مصلح؛ لقولهم: (إنما نحن مصلحون)

. ٣ ومنها: أن غير المؤمن نظره قاصر، حيث يرى الإصلاح في الأمر المعيشي فقط؛ بل الإصلاح حقيقة أن يسير على شريعة الله واضحاً صريحاً ..

. ٤ ومنها: أنه ليس كل من ادعى شيئاً يصدق في دعواه؛ لأنهم قالوا: {إنما نحن مصلحون}؛ فقال الله تعالى: {ألا إنهم هم المفسدون}؛ وليس كل ما زينته النفس يكون حسناً، كما قال تعالى: {أفمن زُين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} [فاطر: ٨] ..

. ٥ ومنها: أن الإنسان قد يبتلى بالإفساد في الأرض، ويخفى عليه فساده؛ لقوله تعالى: {ولكن لا يشعرون.
٦ ومنها: قوة الرد على هؤلاء الذين ادعوا أنهم مصلحون، حيث قال الله عزّ وجلّ: {ألا إنهم هم المفسدون}؛ فأكد إفسادهم بثلاثة مؤكدات؛ وهي {ألا} و "إن"، و {هم}؛ بل حصر الإفساد فيهم عن طريق ضمير الفصل ..

القرآن

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة: ١٣)

التفسير:.

. {١٣} قوله تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس}: القائل هنا مبهم للعموم. أي ليعم أيَّ قائل كان؛ والكاف
الصيام} [البقرة: ١٨٣]، وقوله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} [النساء: ١٠٣].

وقوله تعالى: {القتال} أي قتال أعداء الله الكفار؛ و {القتال} مصدر قاتل.

قوله تعالى: {وهو كره لكم}؛ {كره} مصدر بمعنى اسم المفعول - يعني: وهو مكروه لكم -؛ والمصدر بمعنى اسم المفعول يأتي كثيراً، مثل: {وإن كن أولات حمل} [الطلاق: ٦] يعني: محمول؛ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬١)، أي مردود.
وجملة: {وهو كره لكم} في محل نصب على الحال؛ والضمير {هو} يعود على القتال؛ وليس يعود على الكتابة؛ فإن المسلمين لا يكرهون ما فرضه الله عليهم؛ وإنما يكرهون القتال بمقتضى الطبيعة البشرية؛ وفرق بين أن يقال: إننا نكره ما فرض الله من القتال؛ وبين أن يقال: إننا نكره القتال؛ فكراهة القتال أمر طبيعي؛ فإن الإنسان يكره أن يقاتل أحداً من الناس فيقتله؛ فيصبح مقتولاً؛ لكن إذا كان هذا القتال مفروضاً علينا صار محبوباً إلينا من وجهٍ، ومكروهاً لنا من وجهٍ آخر؛ فباعتبار أن الله فرضه علينا يكون محبوباً إلينا؛ ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يصرون أن يقاتلوا؛ وباعتبار أن النفس تنفر منه يكون مكروهاً إلينا.

قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم}؛ {عسى} تأتي لأربعة معانٍ: للرجاء؛ والإشفاق؛ والتوقع؛
---------------
(¬١) سبق تخريجه ١/ ٩١.

الصفحة 48