كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

وقدرناه فعلاً؛ لأن الأصل في العمل الأفعال. وهذه يعرفها أهل النحو؛ ولهذا لا تعمل الأسماء إلا بشروط

وقدرناه مناسباً؛ لأنه أدلّ على المقصود؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من لم يذبح فليذبح باسم الله" (¬١). أو قال صلى الله عليه وسلم "على اسم الله" (¬٢): فخص الفعل ..

و {الله}: اسم الله رب العالمين لا يسمى به غيره؛ وهو أصل الأسماء؛ ولهذا تأتي الأسماء تابعة له ..

و {الرحمن} أي ذو الرحمة الواسعة؛ ولهذا جاء على وزن "فَعْلان" الذي يدل على السعة ..

و {الرحيم} أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده؛ ولهذا جاءت على وزن "فعيل" الدال على وقوع الفعل
فهنا رحمة هي صفته. هذه دل عليها {الرحمن}؛ ورحمة هي فعله. أي إيصال الرحمة إلى المرحوم. دلّ عليها {الرحيم} ..

و {الرحمن الرحيم}: اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة، وعلى الأثر: أي الحكم الذي تقتضيه هذه الصفة ..
---------------
(¬١) أخرجه البخاري في صحيحه ص ٧٧، كتاب العيدين، باب ٢٣: كلام الإمام والناس في خطبة العيد، حديث رقم ٩٨٥؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص ١٠٢٧، كتاب الأضاحي، باب ١: وقتها، حديث رقم ٥٠٦٤ [١] ١٩٦٠.
(¬٢) أخرجه البخاري في صحيحه ص ٤٧٤، كتاب الذبائح والصيد، باب ١٧: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فليذبح على اسم الله"، حديث رقم ٥٥٠٠؛ وأخرجه مسلم في صحيحه ص ١٠٢٧، كتاب الأضاحي، باب ١: وقتها، حديث رقم ٥٠٦٤ [٢] ١٩٦٠.
القرآن
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة: ٢٠٨)

التفسير:
{٢٠٨} قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا}: الخطاب للمؤمنين؛ وقد تَقدم أن الله تعالى إذا ابتدأ الحكم بالنداء فهو دليل على العناية به؛ لأن المقصود بالنداء تنبيه المخاطب؛ ولا يتطلب التنبيه إلا ما كان مهماً؛ فعندما أقول: «انتبه» يكون أقل مما لو قلت: «يا فلان انتبه»؛ ثم إذا كان الخطاب للذين آمنوا فإن في ذلك ثلاث فوائد سبق ذكرها (¬١).

قوله تعالى: {ادخلوا في السلم كافة}؛ {السلم} فيها قراءتان: بفتح السين؛ وبكسرها؛ والمراد به الإسلام؛ وهو الاستسلام لله - تعالى - ظاهراً، وباطناً.

فإن قال قائل: كيف يقول: {ادخلوا في السلم} ونحن قد عرفنا من قبل أن الإيمان أكمل من الإسلام؛ لقوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}؟ [الحجرات: ١٤]، قلنا: إن هذا الأمر مقيد بما بعد قوله: {في السلم}؛ وهو قوله تعالى: {كافة}؛ فيكون الأمر هنا منصباً على قوله تعالى: {كافة}؛ و {كافة} اسم فاعل يطلق على من يكف غيره؛ فتكون التاء فيه للمبالغة، مثل: راوية، ساقية،
---------------
(¬١) انظر ١/ ٣٣٧.

الصفحة 5