كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

٥ ومن فوائد الآية: أن كل من لم يؤمن فهو سفيه، كما قال الله تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} [البقرة: ١٣٠] ..

. ٦ ومنها: أن الحكمة كل الحكمة إنما هي الإيمان بالله، واتباع شريعته؛ لأن الكافر المخالف للشريعة سفيه؛ فيقتضي أن ضده يكون حكيماً رشيداً ..

. ٧ ومنها: تحقيق ما وعد الله به من الدفاع عن المؤمنين، كما قال تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} [الحج: ٣٨]؛ فإذا ذموا بالقول دافع الله عنهم بالقول؛ فهؤلاء قالوا: {أنؤمن كما آمن السفهاء}، والله عزّ وجلّ هو الذي جادل عن المؤمنين، فقال: {ألا إنهم هم السفهاء} يعني هم السفهاء لا أنتم؛ فهذا من تحقيق دفاع الله تعالى عن المؤمنين؛ أما دفاعه عن المؤمنين إذا اعتُدي عليهم بالفعل فاستمع إلى قول الله تعالى: {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} [الأنفال: ١٢]: هذه مدافعة فعلية، حيث تنْزل جنود الله تعالى من السماء لتقتل أعداء المؤمنين؛ فهذا تحقيق لقول الله تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} [الحج: ٣٨]؛ ولكن الحقيقة أن هذا الوعد العظيم من القادر جل وعلا الصادق في وعده يحتاج إلى إيمان حتى نؤمن بالله عزّ وجلّ، ولا نخشى أحداً سواه، فإذا ضعف الإيمان أصبحنا نخشى الناس كخشية الله، أو أشد خشية؛ لأننا إذا كنا نراعيهم دون أوامر الله فسنخشاهم أشد من خشية الله عزّ وجلّ؛ وإلا لكنا ننفذ أمر الله عزّ وجلّ، ولا نخشى إلا الله سبحانه وتعالى ..
القرآن
(يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: ٢١٧)

التفسير:

{٢١٧} قوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} أي يسألك الناس عن الشهر الحرام؛ والمراد به الجنس؛ فيشمل كل الأشهر الحرم؛ وهي أربعة: ذو القعدة؛ وذو الحجة؛ ومحرم؛ ورجب؛ و {قتال فيه} بدل اشتمال؛ فيكون السؤال عن القتال فيه.

قوله تعالى: {قل} يعني في جوابهم {قتال فيه كبير} أي في الشهر الحرام.
قوله تعالى: {وصد عن سبيل الله}: جملة استئنافية لبيان أن ما فعله هؤلاء الكفار من الصد عن سبيل الله، والكفر به، والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر عند الله؛ فهذه أربعة أشياء يفعلها المشركون الذين اعترضوا على القتال في الشهر الحرام أعظم عند الله من القتال في الشهر الحرام؛ و {صد} يجوز أن تكون من الفعل اللازم - أي صدهم أنفسَهم عن سبيل الله -؛ ويجوز أن تكون من المتعدي - أي صدهم غيرهم عن سبيل الله -؛ وكلا الأمرين حاصل من هؤلاء المشركين؛ والمراد بـ {سبيل الله} طريقه الموصل إليه - أي شريعته -.

الصفحة 51