كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

القرآن

(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) (البقرة: ١٤)) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (البقرة: ١٥)

التفسير:.
{١٤} قوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا} أي قابلوهم، أو جلسوا إليهم؛ {قالوا} أي للمؤمنين الذين لقوهم؛ {آمنا} أي كإيمانكم ..

قوله تعالى: {وإذا خلوا إلى شياطينهم}؛ ضُمِّن الفعل هنا معنى "رجعوا"؛ ولذلك عُدِّي بـ {إلى}، لكن عُدِّي بالفعل {خلوا} ليكون المعنى: رجعوا خالِين بهم؛ والمراد بـ {شياطينهم} كبراؤهم؛ وسمي كبراؤهم بـ "الشياطين" لظهور تمردهم؛ وقد قيل: إن "الشيطان" كل مارد؛ أي كل عاتٍ من الجن، أو الإنس، أو غيرهما: شيطان؛ وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الكلب الأسود بأنه شيطان؛ وليس معناه شيطان الجن؛ بل معناه: الشيطان في جنسه: لأن أعتى الكلاب، وأشدها قبحاً هي الكلاب السود؛ فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: "الكلب الأسود شيطان" (¬١)؛ ويقال للرجل العاتي: هذا شيطان بني فلان. أي مَريدهم، وعاتيهم ..

وكلمة: "شيطان": النون فيها أصلية من "شطن" بمعنى بعُد؛
---------------
(¬١) أخرجه مسلم ص ٧٥٧، كتاب الصلاة، باب ٥٠: قدر ما يستر المصلي، حديث رقم ١١٣٧ [٢٦٥] ٥١٠.
{يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا} [الرحمن: ٣٣]؛ ومن المعلوم أنهم لن يستطيعوا أن ينفذوا من أقطار السموات والأرض.

قوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه} أي من يرجع عن دين الإسلام إلى الكفر {فيمت وهو كافر} أي يموت على الكفر؛ فالجملة في قوله تعالى: {وهو كافر} في موضع نصب على الحال من فاعل {يمت}.

قوله تعالى: {فأولئك} أعاد اسم الإشارة بصيغة الجمع على اسم موصول صالح للمفرد، والجمع؛ لأن اسم الموصول العام يجوز عود الضمير، والإشارة إليه على وجه الإفراد باعتبار لفظه؛ وعلى وجه الجمع باعتبار معناه.

قوله تعالى: {حبطت} أي اضمحلت {أعمالهم} أي ما قدموه من عمل صالح في الدنيا والآخرة؛ فلا يستفيدون بأعمالهم شيئاً في الدنيا من قبول الحق، والانشراح به؛ ولا في الآخرة؛ لأن أعمالهم ضاعت عليهم بكفرهم.

قوله تعالى: {وأولئك أصحاب النار} أي أهلها الملازمون لها؛ {هم فيها خالدون}: كالتأكيد لقوله تعالى: {أولئك أصحاب النار}.

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو مرجع الصحابة في العلم؛ لقوله تعالى: {يسألونك}.

٢ - ومنها: اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بما يقع منهم من المخالفة؛ وأنهم يندمون، ويسألون عن حالهم في هذه المخالفة؛ لقوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه}.

الصفحة 53