كتاب تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (اسم الجزء: 1)

ولكونها أصلية صُرف الاسم بتنوين، كما في قوله تعالى: {ويتبع كل شيطان مريد} [الحج: ٣]؛ ولو كانت النون والألف زائدتان منعت من الصرف؛ لأن الألف والنون إذا كانتا زائدتين في عَلَم؛ أو وصف فإنه يُمنع من الصرف؛ وأما إذا كانتا زائدتين في غير علم، ولا وصف فإنه لا يمنع من الصرف ..

قوله تعالى: {إنا معكم} أي صحب مقارنون لكم تابعون لكم؛ {إنما نحن مستهزئون} أي ما نحن إلا ساخرون بالمؤمنين: نظهر لهم أنا مسلمون لنخادعهم ..

. {١٥} قوله تعالى: {الله يستهزئ بهم} أي يسخر تبارك وتعالى بهم بما أملى لهم، وكفّ أيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه عن قتلهم. مع أنهم في الآخرة في الدرك الأسفل من النار ..
قوله تعالى: {ويمدهم في طغيانهم يعمهون}؛ الطغيان مجاوزة الحد، كقوله تعالى: {إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية} [الحاقة: ١١]؛ و "العَمَه" الضلال؛ والمعنى أن الله يبقيهم ضالين في طغيانهم؛ واعلم أن بين "يَمد" الثلاثي، و"يُمد" الرباعي فرقاً؛ فالغالب أن الرباعي يستعمل في الخير، والثلاثي في الشر؛ قال الله تعالى: {ونمد له من العذاب مداً} [مريم: ٧٩]: وهذا في الشر؛ وقال تعالى: {وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون} [الطور: ٢٢]: وهذا في الخير؛ وهنا قال تعالى: {ويَمدهم}: فهو في الشر ..

الفوائد:

. ١ من فوائد الآيتين: ذلّ المنافق؛ فالمنافق ذليل؛ لأنه خائن؛ فهم {إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} خوفاً من المؤمنين؛
٣ - ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم كل الأحكام؛ بل لا يعلم إلا ما علمه الله عزّ وجلّ؛ ولهذا أجاب الله عن هذا السؤال: {قل قتال فيه كبير ... }.

وينبني على هذه المسألة: هل للرسول صلى الله عليه وسلم أن يجتهد، أو لا؟ والصواب أن له أن يجتهد؛ ثم إذا اجتهد فأقره الله صار اجتهاده بمنزلة الوحي.
٤ - ومنها: أن القتال في الشهر الحرام من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: {قل قتال فيه كبير}؛ وهل هذا الحكم منسوخ، أو باق؟ للعلماء في ذلك قولان؛ فذهب أكثر أهل العلم إلى أن الحكم منسوخ؛ وأن القتال في الأشهر الحرم كان محرماً، ثم نسخ؛ القول الثاني: أن الحكم باقٍ، وأن القتال في الأشهر الحرم حرام؛ دليل من قال: «إنه منسوخ» قوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة} [التوبة: ٣٦]، وقوله تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} [التوبة: ٧٣]، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل ثقيفاً في شهر ذي القعدة (¬١)؛ وهو شهر حرام؛ وأن غزوة تبوك كانت في رجب (¬٢)؛ وهو شهر حرام؛ والذي يظهر لي أن القتال في الأشهر الحرم باقٍ على تحريمه؛ ويجاب عن أدلة القائلين بالنسخ بأن الآيات العامة كغيرها من النصوص العامة التي تخصص؛ فهي مخصصة بقوله تعالى: {قل قتال فيه كبير}؛ وأما قتال الرسول صلى الله عليه وسلم أجيب عنه بأنه ليس قتال ابتداء؛ وإنما هو قتال مدافعة؛ وقتال المدافعة لا بأس به حتى في الأشهر الحرم؛ إذا
---------------
(¬١) راجع: زاد المعاد ٣/ ٥٠٢.
(¬٢) راجع: زاد المعاد ٣/ ٥٢٦.

الصفحة 54